الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من حال أمك أنها على عكس ما ظننت بها وأنها سعت في سبيل العفاف واجتناب الحرام بهذا الزواج الذي ذكرته لك وسميته أنت بالزواج العرفي بغير ولي، وأنها أخفته لاعتبارات معينة.
واشتراط الولي في الزواج محل خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على أن الولي شرط وأنه إذا افتقد كان الزواج باطلا، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى صحة الزواج بغير ولي، وأن المرأة البالغة الرشيدة لها أن تزوج نفسها، والقول الراجح عندنا هو قول الجمهور، ولكن مع ذلك فإننا نرى أن للعامي أن يقلد من يرى أن الزواج إذا تم بغير ولي يمضي تقليدا لمن ذهب إلى ذلك أن الزواج يمضي ولا يجب فسخه، وراجع الفتوى رقم: 98057.
والزواج العرفي إن قصد به مجرد عدم التوثيق فإن ذلك لا يجعله زواجا باطلا، فالتوثيق لا يجب فضلا عن أن يكون شرطا لصحة الزواج، ولكنه مهم من أجل حفظ الحقوق وقطع أسباب النزاع، وراجع الفتوى رقم: 5962، والفتوى رقم: 110361.
والحاصل أن أمك قد لا تكون كذبت عليك أصلا - فيما يبدو لنا - وأنك قد جنيت عليها واتهمتها بما لم يكن منها أصلا فالواجب عليك التوبة واستسماحها.
ثم إنه على فرض أنها قد ارتكبت إثما فالواجب نصحها بالحسنى، والعمل على منعها من المنكر، هذا مع العلم بأن الإنكار على الوالدين ليس كالإنكار على غيرهما كما بينا في الفتوى رقم: 134356، وإذا كان أمر الإنكار عليهما كذلك فكيف تفكر في قتل أمك فضلا عن أن تقدم عليه بالفعل.
وبخصوص هجر الوالدين عند إصرارهما على منكر راجع الفتوى رقم: 277681.
وأما الحبس ونحوه فلا حرج فيه إن تعين طريقا لمنعها من الفجور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: مسألة: في امرأة متزوجة بزوج كامل ولها أولاد فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور فلما ظهر أمرها سعت في مفارقة الزوج: فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرا؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟
الجواب: الحمد لله الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى القيد قيدوها وما ينبغي للولد أن يضرب أمه وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء بل يمنعوها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره وعليهم الإثم في ذلك. اهـ.
ومن المنكر ما قمت به من سب أم ذلك الرجل، فهذا أمر محرم، ونذكر هنا بما روى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله، هل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه».
والله أعلم.