الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأب لم يهمل تأديب أولاده ولم يقصر في نفقتهم الواجبة، ولكنه انفرد عنهم بالسكن مع الزوجة الجديدة، فلا حرج عليه في ذلك، ولا حرج عليه في الإنفاق على زوجته وأهلها والتبرع لهم حال صحته.
وأما إذا كان قد ترك أولاده الصغار وأهمل نفقتهم وتأديبهم، وأراد إخراجهم من المسكن الذي ليس لهم غيره، فهو آثم بلا ريب، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ... متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ. رواه مسلم.
واعلم أنّ جمهور العلماء على أن الابن البالغ لا تجب نفقته على أبيه، إلا أن يكون عاجزاً كالمريض والمجنون، وذهب الحنابلة إلى وجوب نفقة الابن الفقير على أبيه ولو كان بالغاً صحيحاً قوياً، قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: ولا يشترط في وجوب نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام، في ظاهر المذهب. اهـ، وقال المرداوي رحمه الله في الإنصاف: شمل قوله: وأولاده وإن سفلوا ـ الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء، إذا كانوا فقراء، وهو صحيح، وهو من مفردات المذهب. اهـ
وعلى أية حال، فإنّ على الأولاد برّ أبيهم ومصاحبته بالمعروف مهما كان حاله، وانظر الفتوى رقم: 115982.
والله أعلم.