الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبغض النظر عما ذكره السائل فيما يتعلق بإمكانية علاج من يعمل عمل قوم لوط، نفسيا أو هرمونيا في عصرنا هذا دون العصور المتقدمة! فإنه ينبغي التنبه إلى أن العقوبة أو حد اللواط لا يقام على كل من يفعل ذلك، وإنما يقام على من يثبت فعله هذا لدى الحاكم، وثبوت جريمة اللواط عند جمهور أهل العلم كثبوت جريمة الزنا، فلا يثبت إلا بإقرار لا يرجع عنه صاحبه، أو بشهادة أربعة عدول، يصرحون بأنهم شاهدوا دخول فرج أحد الرجلين في دبر الآخر، كدخول المرود في المكحلة، ولا يشك أحد منهم في ذلك، ولا يرجع عما شهد به، فإن لم يكن أحد الشهود عدلا، أو لم تكن الرؤية التي أخبر عنها دقيقة، أو رجع عن شهادته، فإنهم يحدون حد القذف، كما سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 267475، ومعنى هذا أن حصول هذه العقوبة تكون في حدود ضيقة للغاية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا النوع من الانحراف الخلقي والسلوكي ليس بالضرورة أن يستجيب صاحبه للعلاج، فقد تتمكن هذه الشهوة الشاذة من صاحبها مع ضعف إيمانه، فلا يستطيع عنها فكاكا، والسؤال عندئذ: متى يستحق العقوبة؟! وما هو الحد الذي يمكن معه القطع بأن علاجه لا يجدي؟! ولا يخفى أن الجواب على ذلك متعسر، والذي يمكن ضبطه في الواقع هو ثبوت الفعل عليه بالبينة الشرعية عند الحاكم، فيستحق عندئذ العقوبة، وأما من ستر على نفسه واجتهد في معالجتها، فله شأن آخر، واعتبر في ذلك بحال الزاني، فإنه هو الآخر يمكن أن يعالج نفسيا وسلوكيا، ولكن إمكانية ذلك لا ترفع عنه العقوبة إن استحقها بثبوت البينة الشرعية عند الحاكم.
ثم إن الأمر لا يرجع إلى معرفة الصحابة بكونه مرضا أو عدم معرفتهم، بل هذا حكم شرعي ثابت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإذن فهي عقوبة من الله العليم الخبير، الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحهم، فلا مجال للاعتراض أو الاقتراح بشأن هذه العقوبة.
والله أعلم.