الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن تنفذ الوصية حسب شرط الموصي، وأن لا تغير، أو تبدل، إلا إذا كان فيها ما يخالف الشرع؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:181}.
لكن إن كان تغيير الوصية إلى ما هو أفضل مما أوصى به الميت، ففي جواز ذلك خلاف بين أهل العلم، يقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: وأما تغيير الوصية لما هو أفضل ففيه خلاف بين أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: {فمن بدله بعد ما سمعه} [البقرة: 181]؛ ولم يستثن إلا ما وقع في إثم، فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير.
ومنهم من قال: بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل، ونفع الموصى له، فكلما كان أقرب إلى الله، وأنفع للموصى له كان أولى أيضًا؛ والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل؛ وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به؛ فالرجل الذي جاء إليه، وقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «صلِّ ها هنا» فأعاد عليه فقال: « صل ها هنا » فأعاد الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم: «شأنك إذن».
والذي أرى في هذه المسألة أنه إذا كانت الوصية لمعين، فإنه لا يجوز تغييرها، كما لو كانت الوصية لزيد فقط؛ أو وقف وقفًا على زيد، فإنه لا يجوز أن يغير لتعلق حق الغير المعين به؛ أما إذا كانت لغير معين ـ كما لو كانت لمساجد، أو لفقراء ـ فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل. اهـ.
والله أعلم.