الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يتخذ لنفسه وردًا، أو حزبًا من القرآن، يحافظ على قراءته يوميًّا، حسب ما تيسر له -بعد صلاة العشاء، أو الفجر، أو غير ذلك- ليكون على صلة دائمة بكتاب الله تعالى، ولا يكون من الذين اتخذوا القرآن مهجورًا، جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وَأَمَّا مُحَافَظَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَوْرَادٍ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ الذِّكْرِ، أَوْ الدُّعَاءِ، طَرَفِي النَّهَارِ، وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا. اهـ.
وإذا التزم بقراءة حزبه في وقت محدد، حسبما تيسر له، فلا ينبغي أن يعتقد أن لهذا الوقت بعينه فضلًا، ما لم يرد فيه دليل شرعي؛ فقد نص أهل العلم على أن التزام عبادة معينة، على هيئة خاصة، في وقت محدد، مع اعتقاد أفضلية أدائها في هذا الوقت بعينه، من غير دليل شرعي، يعد من البدع الإضافية، التي ينبغي تجنبها، وانظر الفتوى رقم: 17613.
وكل شخص ينبغي أن يقرأ حسب ما تيسر له؛ فيمكن أن تجعل وردك اليومي جزءًا، أو أكثر، أو أقل، وكلما زدت، كان أفضل؛ فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} . وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {الإسراء: 82}، وقال صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. رواه الترمذي، وغيره.
وقد كان السلف الصالح يقسمون القرآن، ويجزئونه على أيام الأسبوع، ويجعلون لكل يوم جزء منه، يسمونه حزبًا، روى الإمام أحمد، وغيره عن أوس بن أبي أوس قال: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من "ق" حتى تختم.
والثلاث هي: البقرة، وآل عمران، والنساء.
والخمس: المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة.
والسبع: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر، والنحل، وهكذا…
والمداومة على قراءة ورقتين يوميًّا، فيها خير كثير أيضًا، وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلّ، كما روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: أَدْوَمُهُ وإِنْ قَلَّ. وراجع الفتوى رقم: 49523.
والله أعلم.