الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اهتمامك بحال إخوتك المسلمين، والحرص على تنبيههم على حفظ الوقت، وصرفه فيما يفيد، فإنه يتيعن على المسلم أن يحفظ وقته، ويصرفه بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ". رواه البخاري.
قال الإمام بدر الدين العيني -رحمه الله-: "فكأنه قال: هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي، فقد غبن صاحبهما فيهما، أي: باعهما ببخس لا تحمد عاقبته، أو ليس له في ذلك رأي البتة، فإن الإنسان إذا لم يعمل الطاعة في زمن صحته، ففي زمن المرض بالطريق الأولى، وعلى ذلك حكم الفراغ أيضًا، فيبقى بلا عمل خاسرًا مغبونًا. هذا وقد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش، وبالعكس، فإذا اجتمعا في العبد، وقصر في نيل الفضائل فذلك هو الغبن له كل الغبن، وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح، وتجارات الآخرة؟". انتهى من "عمدة القاري" (23 / 31).
وسيسأل المسلم عن ذلك الوقت كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟" رواه الترمذي عن ابن مسعود. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وجاء في الحديث: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وأما عن تصوير المصور لانفعال بعض الأشخاص ورعبهم ونشرها بوسائل التواصل: فإن كان هذا دون علمهم، والحال أنهم يكرهون اطلاع الغير على ذلك، فهو داخل في الإيذاء والغيبة، وقد عرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغيبة بقوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. رواه مسلم.
وقد صرح أهل العلم بشمول ذلك لوصف أخلاقه ومشيه وبدنه وعبوسه وطلاقته، وأن كل ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو من الغيبة المحرمة، وهو يشمل ما إذا ذكرته بلفظك أو كتابتك، فقد قال النووي -رحمه الله- في الأذكار: فأما الغيبة فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خَلقه أو خُلقه أو ماله أو ولده أو والده أو زوجه أو خادمه أو مملوكه أو عمامته أو ثوبه أو مشيته وحركته وبشاشته وخلاعته وعبوسه وطلاقته أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء ذكرته بلفظك أو كتابك أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك. أما البدن فكقولك: أعمى أعرج أعمش أقرع قصير طويل أسود أصفر. وأما الدِّيْنُ فكقولك: فاسق سارق خائن ظالم متهاون بالصلاة متساهل في النجاسات ليس بارًّا بوالده لا يضعُ الزكاة مواضعَها لا يجتنبُ الغيبة. وأما الدنيا: فقليلُ الأدب يتهاونُ بالناس لا يرى لأحد عليه حقًّا كثيرُ الكلام كثيرُ الأكل أو النوم ينامُ في غير وقته يجلسُ في غير موضعه. وأما المتعلِّق بوالده فكقوله: أبوه فاسق أو هندي أو نبطي أو زنجي إسكاف بزاز نخاس نجار حداد حائك. وأما الخُلُق فكقوله: سيئ الخلق متكبّر مُرَاء عجول جبَّار عاجز ضعيفُ القلب مُتهوِّر عبوس خليع ونحوه. وأما الثوب: فواسع الكمّ طويل الذيل وَسِخُ الثوب ونحو ذلك. ويُقاس الباقي بما ذكرناه. وضابطُه: ذكرُه بما يكره. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: الغيبة تكون بالقول وتكون بغيره؛ قال الغزالي: الذكر باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه, فالتعريض به كالتصريح, والفعل فيه كالقول, والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة, وهو حرام, من ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: {دخلت علينا امرأة, فلما ولت أومأت بيدي: أنها قصيرة. فقال عليه السلام: اغتبتِها}. اهـ.
وأما نشر الصور الخليعة: فهو محرم؛ لأنه يحرم نظرها وإعانة الآخرين على نظرها، ودلالتهم عليها، فقد قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
والله أعلم.