الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم إجابة السائل بالله قد اختلف فيه أهل العلم هل تجب إجابته أو تستحب، وذلك بناء على قوله صلى الله عليه وسلم: من سألكم بالله فأعطوه... الحديث. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.
فقد حمل كثير منهم الأمر في الحديث وإجابة السائل بالله على الاستحباب، وردّه على الكراهة؛ قال ابن قدامة في المغني: "وَيُسْتَحَبُّ إجَابَةُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ" وقال ابن مفلح في المبدع "فَرْعٌ: لَا يَلْزَمُهُ إِبْرَارُ قَسَمٍ فِي الْأَصَحِّ، كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاللَّهِ" وقال النووي في رياض الصالحين "باب في كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله ـ عز وجل ـ غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به" وجاء في الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي "ويكره للإنسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وأن يمنع من سأل بالله، وتشفع به" وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: "إذا كان السائل بالله لا حق له في هذا الشيء فلا حرج في ذلك ـ أي في منعه ـ إن شاء الله؛ إن كان يقول: أسالك بالله أن تعطيني دارك، أو تعطيني سيارتك، أو تعطيني كذا وكذا من المال، هذا لا حق له". وعلى هذا فإنه لا حرج عليك ولا إثم في منع هذا السائل، وخاصة أنك قد أعطيته قبل السؤال ما تيسر.
وقد حمل بعضهم الإعطاء على الوجوب والمنع على الحرمة، حتى عده من الكبائر؛ جاء في الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي في الكبيرة الثامنة والتاسعة والثلاثين بعد المائة قال: "عَدُّ كُلِّ مِنْ هَذَيْنِ ـ السؤال بالله، ومنع من سأل به ـ كَبِيرَةً وَهُوَ صَرِيحُ اللَّعْنِ عَلَيْهِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ مَنْ سُئِلَ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي شَرُّ النَّاسِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ أَئِمَّتُنَا فَجَعَلُوا كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَكْرُوهًا وَلَمْ يَقُولُوا بِالْحُرْمَةِ فَضْلًا عَنْ الْكَبِيرَةِ"، وقال الصنعاني في سبل السلام: "يَجِبُ إعْطَاءُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ بِاَللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ، فَمَنْ سَأَلَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَجَبَ إعْطَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ إعْطَائِهِ... وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ حَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُضْطَرُّ"
وفصّل ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقال في مجموع فتاواه ورسائله فقال: "الثاني: أن يسأل بالله، فهذا تجيبه وإن لم يكن مستحقا؛ لأنه سأل بعظيم، فإجابته من تعظيم هذا العظيم، لكن لو سأل إثما أو كان في إجابته ضرر على المسؤول، فإنه لا يجاب" ولعل هذا التفصيل هو الراجح ـ إن شاء الله تعالى ـ
وعليه، فكان عليك أن تجيب من سألك بالله إذا لم يكن في إجابته ضرر عليك، أما إذا كان فيها ضرر فإنها لا تجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" رواه مالك في الموطأ.
وما كان ينبغي لهذا السائل أن يسأل بالله في مثل هذه الأمور الدنيوية؛ قال النووي في الأذكار "يُكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ الْجَنَّةِ رُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ"
والحديث الذي أشرت إليه رواه الطبراني وغيره ولفظه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وهو محمول على من يسأل من غير حاجة أو يمنع من عذر أو ضرر كما قال بعض أهل العلم؛ جاء في شرح سنن النسائي للوَلَّوِي "يحمل حديث الطبرانيّ على من يسأل بوجه اللَّه تعالى بلا حاجة تدعوه لذلك، وإنما لمجرّد عدم مبالاته بعظمة اسم اللَّه تعالى".
والله أعلم.