الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوقوع الطلاق بكتابة لفظه الصريح مختلف فيه بين أهل العلم، فبعضهم يرى وقوعه ولو لم ينو إيقاعه، وبعضهم يرى عدم وقوعه إلا بنية إيقاعه، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: فأما إن كان كتب ذلك من غير نية، فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي الشريف في "الإرشاد" على روايتين؛ إحداهما: يقع وهو قول الشعبي، والنخعي، والزهري، والحكم؛ لما ذكرنا. والثانية: لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ومنصوص الشافعي؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغم الأهل، من غير نية، ككنايات الطلاق، فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه، لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع، لم يقع، فالكتابة أولى وإذا ادعى ذلك دُيِّن فيما بينه وبين الله تعالى، ويقبل أيضا في الحكم في أصح الوجهين؛ لأنه يقبل ذلك في اللفظ الصريح، في أحد الوجهين؛ فهاهنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن قال: نويت غم أهلي فقد قال، في رواية أبي طالب، في من كتب طلاق زوجته، ونوى الطلاق: وقع، وإن أراد أن يغم أهله، فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به» فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق؛ لأن غم أهله يحصل بالطلاق، فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه، كما لو قال: أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع؛ لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق، دون حقيقته، فلا يكون ناويا للطلاق، والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به، أو الكلام، وهذا لم ينو طلاقا، فلا يؤاخذ به" المغني لابن قدامة (7/ 486)
وعليه؛ فنرجو أن يسعك العمل بقول من قال بعدم وقوع الطلاق بالكتابة بغير نية إيقاعه.
لكن ينبغي عليك الحذر من العود لمثل هذا الأمر لما ذكرنا لك من الخلاف فيه، ولأنّ تخويف الزوجة بالطلاق مسلك غير سديد، وليس من الوسائل المشروعة لإصلاح المرأة، بل فيه إيذاء لها ينافي المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: فيعظها أولاً، وإذا استجابت للوعظ خير من كونها تستجيب للوعيد، أي: خير من كونه يقول: استقيمي وإلا طلقتك، كما يفعله بعض الجهال، تجده يتوعدها بالطلاق، وما علم المسكين أن هذا يقتضي أن تكون أشد نفوراً من الزوج، كأنها شاة، إن شاء باعها وإن شاء أمسكها، لكن الطريق السليم أن يعظها ويذكرها بآيات الله ـ عزّ وجل ـ حتى تنقاد امتثالاً لأمر الله ـ عزّ وجل. الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/ 442)
والله أعلم.