الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت الأرض مملوكة بين الإخوة فليس لأي منهم أن يتصرف فيها بتخصيص جزء منها للمقبرة أو غيرها إلا برضاهم جميعا، وإذا أصر بعضهم على ذلك فإن لمن يعترض منهم أن يطالب بقسمة الأرض وأخذ حصته فيها، وحيئنذ يكون لبقية الشركاء إقامة المقبرة في حصصهم المخصصة لهم دون حصة الأخ المعترض، فلا يجوز إقامة المقبرة في حصته بغير رضاه؛ لأن ذلك غصب وتعد على حقه، وهو محرم شرعا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام. رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين.
وينصح عند حصول النزاع بالرجوع للقضاء ليفصل فيه.
أما مسألة وجود المقبرة قريبا من المنزل أو نحو ذلك، فلا شيء فيه من حيث الأصل، ولا مانع شرعا من أن يسكن الشخص بجوار المقبرة، كما سبق في الفتوى رقم: 56874.
لكن الأولى إبعاد المقابر عن محل السكن صيانة لها وتحرزا من إيذاء أصحاب القبور بالجلوس عليها أو المشي فوقها ونحو ذلك.
ومما تقدم يتبين: أن الإكراه على القبول بوجود مقبرة في أرض الشخص لا يعتد به لأنه تصرف في ملك الغير فلا يكون إلا برضاه، أما ما كان خارج أرضه فليس من حقه الاعتراض عليه إلا إذا وجد ضرر من قرب المقبرة من الشخص المجاور لها، وثبت ذلك، فله في هذه الحالة المطالبة بإزالة ذلك الضرر، قال في الكافي في فقه الإمام أحمد: ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره. اهـ
وقال ابن عثيمين: القاعدة العامة هي أن يمنع الضرر عن جيرانه، فإن اختلفوا فقال صاحب الضرر الذي يدعى عليه الضرر ليس في هذا ضرر، وقال جاره بل فيه ضرر، فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة. اهـ
والله أعلم.