الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك أن تسعى وتجتهد في البحث عن أصحاب الديون لتسددها لهم، أو إلى ورثتهم إن كانوا قد توفوا، فإن وجدتهم فهو المراد، وإن لم تستطع الوصول إليهم ويئست من وجودهم فتصدق بها عنهم، فإن وجدتهم فيما بعدُ خيرتهم بين إمضاء الصدقة ولهم أجرها، وبين إرجاع الحقوق إليهم ويكون أجر الصدقة لك؛ جاء في مصنف ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: إن كان عليك دين لرجل فلم تدر أين هو وأين وارثه؟ فتصدق به عنه, فإن جاء فخيره.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: اشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ جَارِيَةً بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَغَابَ صَاحِبُهَا، فَأَنْشَدَهَا حَوْلًا، أَوْ قَالَ: سَنَةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ فَلَهُ، فَإِنْ أَبَى فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ" ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا افْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ أَوْ بِالضَّالَّةِ".
ورواه البخاري معلقًا بلفظ: ... اشترى ابن مسعود جارية، والتمس صاحبها سنة، فلم يجده، وفقد، فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فلي وعليّ.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فرأى ابن مسعود أن يجعل التصرف صدقة، فإن أجازها صاحبها إذا جاء حصل له أجرها، وإن لم يجزها كان الأجر للمتصدق وعليه الغرم لصاحبها، وإلى ذلك أشار بقوله (فلي وعليّ) أي فلي الثواب وعليّ الغرامة. انتهى.
وجاء في مطالب أولي النهى: (يكون مخيرًا بين دفعها إليه "أي: الحاكم الأمين لو وجده" ليبرأ من عهدتها وبين الصدقة بها وهو متجه "بشرط ضمانها" لأربابها إذا عرفهم؛ لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك لا على وجه بدل وهو غير جائز).
وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: وَفِي التَّنْوِيرِ: مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَمَظَالِمُ جَهِلَ أَرْبَابَهَا، وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ، فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ جَمِيعَ مَالِهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْعُقْبَى. اهـ.
والله تعالى أعلم.