الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأول ما ننصحك به الصبر، فأنت في بلاء، والصبر من أفضل ما يتسلى به عند حلول البلاء، وراجع في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103
واعلم أن البلاء قد يحمل في طياته رخاء، وقد يكون في المحنة منحة، وفي النقمة نعمة، فتفاءل وأمّل في ربك خيرًا.
ثانيًا: نوصيك بالدعاء، والالتجاء إلى رب الأرض والسماء، فهو مفرج الكروب، وكاشف البلاء، مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر، وهنالك أدعية تناسب المقام الذي أنت فيه؛ راجعها في الفتوى رقم: 70670.
واحرص على الإكثار من الدعاء لأهلك، فمهما وصلوا في السوء فإن الله -عز وجل- قادر أن يصلحهم في لحظة، فبيده قلوب العباد، قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ... {الأنعام:125}، وروى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ومقلب القلوب".
ثالثًا: اعقد العزم على محاولة إصلاحهم، وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم، فانصحهم بالحسنى، ومن منطلق الشفقة عليهم، واحرص على إسماعهم مواعظ، ولو من طريق غير مباشر.
وإذا أمكنك أن تستعين ببعض أصحاب الأسلوب المؤثر من الدعاة في بلدك، فافعل، قد تجد منهم نفورًا في بدء الأمر، ثم استجابة وقبولًا، ولا تيأس أبدًا؛ فقد دخل عمر بن الخطاب الإسلام وقد كان ميؤوسًا من إسلامه، حتى قال بعضهم -كما في قصة إسلامه-: والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب. وانظر قصته في الفتوى رقم: 272275.
واعلم أن من أعظم ما يعينك على الإصلاح أن تكون قدوة صالحة لهم، يرون منك الدِّين، والخلق، واللين في غير ما ضعف، فالقدوة مهمة للإصلاح؛ ولذا جعل الله الأنبياء قدوة لنبينا، وجعله قدوة لنا -عليه الصلاة والسلام-، قال عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{الأنعام:90}، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا {الأحزاب:21}.
رابعًا: عليك بالجد، والحزم في غير ما عنف لمنع الفساد من البيت، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
وننبهك هنا إلى أن الإنكار على الوالدين، أو أحدهما ليس كالإنكار على غيرهما، وراجع الفتوى رقم: 134356.
خامسًا: إذا كان وجودك معهم في البيت تتضرر بسببه في دينك، فلا حرج عليك في ترك البيت، والانتقال للسكن بعيدًا عن أهلك، ولو أمرت أمك بالبقاء في البيت؛ فطاعة الوالدين تجب في المعروف، وليس من المعروف طاعتهما فيما فيه ضرر، وتراجع الفتوى رقم: 76303.
ولكن إن أمكنك البقاء معهم، والاجتهاد في المحافظة على دينك من خلال حضور مجالس العلم، والذكر، وصحبة أهل الخير، فاصبر عليهم؛ عسى أن يكون بقاؤك معهم سببًا في إصلاحهم، أو التقليل من الفساد.
والله أعلم.