الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنحن أولًا نحذرك من الوساوس في هذا الباب، ثم اعلم أنه ليس بين القاعدتين تعارض، فإن الأصل أن من ثبت إسلامه بيقين لم يخرج منه إلا بيقين؛ ولذا فإننا نقرر في فتاوانا أنه لا يحكم بالكفر إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ونقرر كذلك أن الجهل الناشئ عن عدم البلاغ عذر في حق المكلف، فلا يزول عنه اسم الإسلام إذا فعل مكفرًا، وهو جاهل بحرمته، ونهي الشرع عنه، ولكن ليس كل جهل عذرًا، فما كان معلومًا من الدِّين بالضرورة لا تقبل فيه دعوى الجهل من كل أحد.
ومن ثم؛ فإنه لا يعذر من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة بجهله إذا كان مثله لا يجهل ذلك الحكم، فلو قال شخص في بلاد الإسلام: إن صوم رمضان غير واجب، أو إن الزنى، أو شرب الخمر ليس محرمًا، فهذا لا يتصور كونه جاهلًا، ومن ثم؛ فإنه يكون بهذا قد خرج من الملة بإنكاره ما علم من الدين بالضرورة، وحد هذا المعلوم بالضرورة الذي يكفر منكره قد بيناه في الفتوى رقم: 180921.
ثم إن التسرع في التكفير عاقبته وخيمة، ومرد التكفير إلى العلماء والقضاة، وليس إلى آحاد الناس.
ومن فعل مكفرًا جاهلًا لم يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، وتزال الشبهة، كما بيناه في فتاوى كثيرة جدًّا.
وبهذا يتبين لك أن هذه القواعد متسقة غير متعارضة -بحمد الله-.
وأما الوصف المذكور للدهر: فما كان منه على جهة الذم والعيب، فإنه محرم، وما كان منه للوصف والإخبار، فلا يحرم، والفرق بين الصورتين مبين في الفتوى رقم: 131297، فانظرها.
والله أعلم.