الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأم إذا قامت بتنظيف طفلها فمست ذكره أو ما في معناها من كل شخص مس ذكر غيره؛ فإن وضوءه ينتقض بذلك في قول كثير من أهل العلم، وهو قول الشافعية والحنابلة. وقال بعض أهل العلم: لا نقض بمس ذكر الغير مطلقًا، وهو قول داود. وقال بعضهم: لا نقض بمس فرج الصغير.
قال ابن قدامة: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِهِ وَذَكَرِ غَيْرِهِ، وَقَالَ دَاوُد: لَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْأَخْبَارُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي ذَكَرِ نَفْسِهِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.
وَلَنَا: أَنَّ مَسَّ ذَكَرِ غَيْرِهِ مَعْصِيَةٌ، وَأَدْعَى إلَى الشَّهْوَةِ، وَخُرُوجُ الْخَارِجِ، وَحَاجَةُ الْإِنْسَانِ تَدْعُو إلَى مَسِّ ذَكَرِ نَفْسِهِ، فَإِذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ ذَكَرِ نَفْسِهِ فَبِمَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَهَذَا تَنْبِيهٌ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّلِيلِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ خَبَرِ بُسْرَةَ: "مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ فَلْيَتَوَضَّأْ".
وقال أيضًا: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ: لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَسُّهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ ...
وَلَنَا: عُمُومُ قَوْلِهِ: "مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ فَلْيَتَوَضَّأْ". وَلِأَنَّهُ ذَكَر آدَمِيّ مُتَّصِل بِهِ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ. انتهى.
وفي أصل المسألة خلاف؛ فإن الحنفية لا يرون نقض الوضوء بمس الفرج أصلًا، ودليلهم حديث طلق بن علي: إنما هو بضعة منك. وقيد بعض أهل العلم النقض بالمس بشهوة، وهو قول عند المالكية، واختيار الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-، وجمعوا بهذا بين الأخبار، فحملوا حديث بسرة: من مس ذكره فليتوضأ. رواه أبو داود وغيره، على المس من غير شهوة بقرينة حديث طلق المذكور، ومذهب الشافعية والحنابلة وهو المفتى به عندنا: أن مس الفرج ناقض للوضوء مطلقًا؛ لحديث بسرة المتقدم، وأجيب عن حديث طلق بأنه منسوخ أو محمول على المس من وراء حائل، ولبيان وجه رجحان حديث بسرة تنظر الفتوى رقم: 136398.
والله أعلم.