الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء في السماوات، إنما كانت رؤية لأرواحهم فحسب، وأما ما يحدث في المحشر من شأن الشفاعة، أو غيرها، فهذا سيكون بعد بعث الأجساد، ورد الأرواح إليها، فلا تعارض بين الأمرين، فإن تنعم أرواح الأنبياء والمؤمنين في الجنة أثناء الحياة البرزخية، لا ينافي ما سيكون بعد البعث من أهوال يوم القيامة، فإن الحياتين -حياة البرزخ، وحياة الآخرة- مختلفتان كل الاختلاف.
جاء في كتاب الروح لابن القيم: هذه الرؤية إنما هي لأرواحهم دون أجسادهم، والأجساد في الأرض قطعا، إنما تبعث يوم بعث الأجساد ولم تبعث قبل ذلك؛ إذ لو بعثت قبل ذلك لكانت قد انشقت عنها الأرض قبل يوم القيامة، وكانت تذوق الموت عند نفخة الصور، وهذه موتة ثالثة، وهذا باطل قطعا، ولو كانت قد بعثت الأجساد من القبور لم يعدهم الله إليها بل كانت في الجنة، وقد صح عن النبي أن الله حرم الجنة على الأنبياء حتى يدخلها هو، وهو أول من يستفتح باب الجنة، وهو أول من تنشق عنه الأرض على الإطلاق، لم تنشق عن أحد قبله. ومعلوم بالضرورة أن جسده في الأرض، وقد سأله الصحابة كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق الأعلى في أعلى عليين، مع أرواح الأنبياء. وقد صح عنه أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره ليلة الإسراء، ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فالروح كانت هناك، ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه، وتعلق به بحيث يصلي في قبره، ويرد سلام من سلم عليه، وهي في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين؛ فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان .اهـ باختصار.
وانظر الفتوى رقم: 294196 .
والله أعلم.