الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما القنوت في الصبح: فقد سبق أن بينا مذاهب العلماء فيه في الفتوى رقم: 18064.
وقد اختلفوا هل يجوز الدعاء بغيره؟ على قولين، قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إِلَى آخِرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ. اهـ.
وقال في المجموع: وَهَلْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ، فِيهِ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ، وَالثَّانِي: تَتَعَيَّنُ كَكَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ، قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ: وَلَوْ تَرَكَ مِنْ هَذَا كَلِمَةً أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ. اهـ.
وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقُنُوتِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي تَخْصِيصِهِمْ بِقُنُوتِ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمَرْوِيِّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك ـ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَقْنُتُ بِذَلِكَ، وَاسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الْقُنُوتَ بِالدُّعَاءِ الْمَرْوِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت ـ إلَى آخِرِهِ. اهـــ.
وأما قنوت النوازل: فهذا ليس خاصا بالصبح، بل يشرع في الصلوات الخمس ويُدعى فيه بما يناسب الحال، جاء في مطالب أولي النهى: فَيَقْنُتُونَ بِمَا يُنَاسِبُ تِلْكَ النَّازِلَةَ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَعَلَيْهِ، فَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: نَحْوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ... اهــ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: القنوت في النوازل ليس هو دعاء القنوت في الوتر، بل القنوت في النوازل أن تدعو الله تعالى بما يناسب تلك النازلة. اهــ.
والله أعلم.