الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز الدعاء على الظالم، ولا سيما إذا كثر ظلمه، ويشمل الجواز المظلومين، وغيرهم، فقد قال الله عز وجل: لَا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا {النساء:148}.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إِلّا مَنْ ظُلِمَ )، وإن صبر فهو خيرٌ له. انتهى.
ودل على جواز الدعاء على الظالم من غير المظلوم، ما رواه أبو داود عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ». فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ». فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ، لاَ تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. وصححه الألباني.
وقد قال العلامة/ محمد مولود في محارم اللسان:
وجاز أن تدعو على من ظلما ولو لغيرك بموت أو عمى.
أما عن دعاء الأم، فلا يستجاب إذا كان دعاؤها على أحد بغير حق؛ لأنها تعتبر -والحالة هذه- ظالمة، آثمة، والداعي بالإثم لا يستجاب له، كما في الحديث الذي رواه مسلم، وغيره: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم.
وفي تفسير القرطبي: ومن شرط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب، والفعل شرعًا، كما قال: (ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم) فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين، ومظالمهم. اهـ.
والله أعلم.