الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلاقة المرأة المسلمة بالرجل الأجنبي قد حدها الشرع بسياج متين منعا لها من أن تَفِتن أو تُفْتَن، فقد جاء في القرآن الكريم أمرها بغض بصرها عن النظر إلى الرجال الأجانب، ومنع الرجال الأجانب من النظر إليها، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور31:30}.
وحرم الشرع خلوتها بالرجل الأجنبي، ففي مسند أحمد عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما.
ونهاها القرآن عن لين القول عند الحديث منعا لأسباب الفتنة، فقال الله سبحانه: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا {الأحزاب:32}.
قال ابن كثير في تفسيره: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك... ثم قال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ـ قال السُّدِّي وغيره: يعني بذلك: ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ـ أي: دَغَل: وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ـ قال ابن زيد: قولا حسنًا جميلا معروفًا في الخير، ومعنى هذا: أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها. اهـ.
وللمزيد في حكم تحدث المرأة مع الأجنبي راجعي الفتوى رقم: 21582.
ومنعها الشرع أيضا من أن تختلط بالرجال الأجانب اختلاطا محرما أي بلا تمايز بينهم، ففي سنن أبي داود عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه ـ رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن ـ أي ليس لكن أن تسرن وسطها ـ الطريق، عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
وهذه الأحكام يدخل فيها الرجل الأجنبي المسلم، ودخول الكافر فيها من باب أولى، لأن الشرع قد جعل للمسلم سبيلاً إلى الارتباط بالمسلمة بالزواج الشرعي، بخلاف الكافر، إذ لا يجوز له الزواج بها أبداً ـ مادام على كفره ـ فيتأكد الحذر منه، وإذا كانت هنالك حاجة شديدة للحديث إلى الأجنبي، فلا بأس بذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية؛ كأن يكون الكلام بقدر الحاجة، وإن أمكنها أن تجدها عند مسلم، فلا ينبغي لها أن تطلبها من الكافر، وننبه إلى خطورة الدراسة في المؤسسات التعليمية المختلطة، ووجوب مراعاة ضوابط الشرع في ذلك، وراجعي الفتويين رقم: 5310، ورقم: 286459.
والله أعلم.