الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لك أن تقدمي فتوى جهة على أخرى من جهات الإفتاء لمجرد موافقة الهوى، وإنما ينبغي عليك عند اختلاف المفتين أن تقدمي قول من تظنينه أقرب لإصابة حكم الشرع من حيث علمه وأمانته، سواء كان قوله أشد أو أيسر وراجعي الفتوى رقم: 162707.
ومذهب جمهور الفقهاء في النمص جوازه للمتزوجة بإذن الزوج، وتحريمه على غير المتزوجة، والذي نختاره من أقوال العلماء المنع مطلقا، سواء أذن الزوج أو لم يأذن، ولو بنية التزين للزوج، اللهم إلا أن تكون كثافة الحاجب قد بلغت حدا مشوها للخلقة، وخرجت عن المعتاد، فلا حرج حينئذ في تخفيفه بالقدر الذي يزول به هذا التشوه ولا يتعداه، وانظري الفتويين: 175407، 194513.
ولا يكون معيار التشوه للحواجب الكثيفة باعتبار ما شاع في أوساط النساء المتنمصات، فلا يصلح أن يكون فعلهن معيارا في ذلك.
وأما سؤالك: إذا كان التهذيب حراما في الآخرة، فهل سأعاقب وأطرد من رحمة الله؟ فنقول: الطرد من رحمة الله ـ وهو اللعن ـ ليس كلعن الكفار الذين يخلدون في النار، كما أن العاصي الموحد قد يسلم من اللعن، لتوقف اللعن على وجود شرط وانتفاء موانع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: حَيْثُ قُدِّرَ قِيَامُ الْمُوجِبِ لِلْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِمَانِعِ، وَمَوَانِعُ لُحُوقِ الْوَعِيدِ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا التَّوْبَةُ، وَمِنْهَا الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنْهَا الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ لِلسَّيِّئَاتِ وَمِنْهَا بَلَاءُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا، وَمِنْهَا شَفَاعَةُ شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَمِنْهَا رَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا وَلَنْ تُعْدَمَ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَتَا وَتَمَرَّدَ وَشَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ، فَهُنَالِكَ يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَعِيدِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ سَبَبٌ فِي هَذَا الْعَذَابِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ وَقُبْحُهُ، أَمَّا أَنَّ كَلَّ شَخْصٍ قَامَ بِهِ ذَلِكَ السَّبَبُ يَجِبُ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ بِهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَزَوَالِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ. انتهى.
والله أعلم.