الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- كتبوا القرآن الكريم مرتباً على النحو الذي بين أيدينا، ويعتبر هذا الترتيب توقيفياً على الصحيح، وأنه بأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحزبوا المصحف أو يجزئوه، وإنما رتبوا آياته وسوره كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر كتبة الوحي، فإذا انتهت سورة وبدأت أخرى، وضعوا في بدايتها البسملة؛ إلا في موضع واحد هو بداية سورة براءة (التوبة).
وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقسمون القرآن ويجزئونه على أيام الأسبوع، ويجعلون لكل يوم جزءاً منه يسمونه حزباً، وقد أخذوا ذلك من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لوفد ثقيف لما تأخر عنهم ليلة: فقالوا: يا رسول الله ما أمكثك عنا؟ قال: طرأ علي حزبي من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه، قال أوس راوي الحديث: فسألت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من ق حتى يختم. رواه أحمد، وابن ماجه.
وتجزئة القرآن وتحزيبه على الوضع الذي هو عليه الآن، ليس من الأمور التوقيفية، وإنما وضعها العلماء اجتهاداً وتسهيلاً للحفظ والتلاوة ومعرفة مقدار ما يريد الشخص أن يحفظ أو يتلو.... وقد راعوا في ذلك الكمية، ولم يلتفتوا إلى غيرها، فربما تجد الجزء أو الحزب يبدأ من بداية السورة أو وسطها أو آخرها.
وقد قسموا القرآن الكريم إلى ثلاثين جزءاً، في كل جزء حزبان، وقسموا الجزء إلى أربعة أرباع، وبعضهم قسم الحزب إلى ثمانية أثمان، كل ذلك من أجل خدمة القرآن وتسهيل حفظه، فبعض الناس يناسبه حفظ ثمن وبعضهم يناسبه ربع.... وهكذا، وقد حدثت هذه التجزئة وهذا التحزيب في عهد التابعين على يد لجنة شكلها الحجاج بن يوسف الثقفي بأمر من عبد الملك بن مروان لما كثر اللحن، وهذه اللجنة بعضوية نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وهما من أجلِّ علماء التابعين، ومعهما الحجاج أمير العراق، فشكلوا المصحف، ووضعوا الأجزاء والأحزاب، وعلى هذا فترتيب الأجزاء بهذا الشكل أمر توقيفي، لأنها جاءت على ترتيب المصحف الذي قررنا أنه توقيفي.
وأما تعيين الأجزاء والأحزاب ورؤوسها فهو اجتهادي، ولهذا تجدها تختلف باختلاف المصاحف والبيئات، وباختلاف الضبط المشرقي والمغربي، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى: 15858.
والله أعلم.