الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولا: أنه لا يجب عليك شرعا إحجاج زوجتك على نفقتك، وأنها لا يجب عليها الحج أيضا، ولا تعتبر مستطيعة إذا تبرع لها أحد بنفقة الحج، سواء كان زوجها أو غيره، جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَاذِلُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الرُّكُوبَ وَالزَّادَ، أَوْ بَذَلَ لَهُ مَالًا. اهـ.
فإذا لم تكن زوجتك مستطيعة بمالها، فلا يجب عليها الحج بتبرعك لها، كما أن الديون التي عليك تقدم على الحج أيضا على ما فصلناه في الفتوى رقم: 307816.
فإن بقي لك من المال ما تكون به مستطيعا وجب عليك أن تحج، ولو ظننت أنك ستترك العمل خلال الأشهر القادمة؛ لأن الحج واجب على الفور على الصحيح من أقوال الفقهاء، وهو المفتى به عندنا، فإذا جاء وقت الحج وكنت تملك من المال زائدا عن حاجاتك الأصلية، ونفقة من تعول خلال ذهابك ورجوعك، فإنه يجب عليك أن تحج، ولم يشترط أهل العلم أن يبقى لك ما تستغني به بعد الحج، بل نصوا على أنه يحج ولو أدى ذلك لافتقاره بعد الحج، كما قال الدردير المالكي في الشرح الكبير: فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، أوْ بِافْتِقَارِهِ: أَيْ وَلَوْ مَعَ افْتِقَارِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا بَعْدَ حَجِّهِ... وقال الخرشي معللاً: لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ. اهــ.
وإنما اشترط الفقهاء أن يكون عنده ما يكفي نفقة عياله وأهله مدة ذهابه وعودته، قال النووي في روضة الطالبين في الفقه الشافعي: فرعٌ يشترط كونُ الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من لزمه نفقتهم وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه... اهـ.
وفي الهداية شرح بداية المبتدي في الفقه الحنفي: الحج واجب على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة فاضلا عن المسكن وما لابد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده. انتهى.
والله أعلم.