الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما حكم الرقص عمومًا، فقد اختلف الفقهاء فيه، والراجح عندنا: كراهته تنزيهًا ـ لا تحريمًا ـ إذا سلم من المخالفات الشرعية، كالغناء المحرم, وآلات الموسيقى, وكشف العورات, والتكسر المثير للشهوات، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 134103، فراجعيها.
وأما حمل المصحف أثناء الرقص على أنشودة عن القرآن: فينبغي أن يعلم أن من الواجبات صيانة المصحف وتعظيمه، والبعد عما فيه إساءة الأدب معه، جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل فيما تجب صيانة المصحف عنه:
قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن الستر يكتب عليه القرآن؟ فكره ذلك، وقال: لا يكتب القرآن على شيء منصوب، ولا ستر، ولا غيره، ويكره توسد المصحف، ذكره ابن تميم، وذكره في الرعاية، وقال بكر بن محمد: كره أبو عبد الله أن يضع المصحف تحت رأسه فينام عليه، قال القاضي: إنما كره ذلك؛ لأن فيه ابتذالًا له، ونقصانًا من حرمته، فإنه يفعل به كما يفعل بالمتاع، واختار ابن حمدان التحريم، وقطع به في المغني، والشرح، وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن، وإلا كره فقط، وقال أحمد في رواية نعيم بن ناعم، وسأله: أيضع الرجل الكتب تحت رأسه؟ قال: أي كتب؟ قلت: كتب الحديث، قال: إذا خاف أن تسرق، فلا بأس، وأما أن تتخذه وسادة فلا، وقال ابن عبد القوي في كتابه مجمع البحرين: أنه يحرم الاتكاء على المصحف، وعلى كتب الحديث، وما فيه شيء من القرآن اتفاقًا. انتهى كلامه.
ويقرب من ذلك مد الرجلين إلى شيء من ذلك، وقال الحنفية: يكره؛ لما فيه من أسماء الله تعالى وإساءة الأدب.
قال أبو زكريا النووي -رحمه الله-: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق، وتنزيهه، وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد حرفًا لم يقرأ به أحد، وهو عالم بذلك، فهو كافر، وقال القاضي عياض: اعلم أن من استخف بالقرآن، أو بالمصحف، أو بشيء منه، فهو كافر بإجماع المسلمين. اهـ باختصار.
والكلام عن حكم حمل المصحف أثناء الرقص فرع عن توصيف هذا الفعل هل هو ينافي تعظيم المصحف وتوقيره، أم لا.
وبعد هذا، فإن لم يكن الرقص رقصًا محرمًا، فلا يظهر ما يجزم معه بتحريم حمل المصحف، وإن كان الأسلم البعد عن ذلك؛ خشية أن يكون فيه منافاة لتمام صيانة القرآن وتعظيمه.
وأما إن كان الرقص محرما: فلا ينبغي التردد في القول بمنع حمل المصحف في أثناء الرقص المحرم؛ لأن ذلك ينافي توقير المصحف وتعظيمه منافاة بيِّنة.
والله أعلم.