الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من صنيع الحافظ ابن رجب في الحديث، صحيح، بل الذي يقطع به أن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يرى شمول هذا الحديث لصوم رمضان، والمتأمل لعبارته لا يكاد يخفى عليه هذا، فإنه قال في لطائف المعارف ما نصه: ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة، والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام" وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام، والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.
والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل. قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم مريضا"؟ قال أبو بكر: أنا، قال: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. انتهى.
ويؤيد هذا ما استقر في الشرع من فضل الفرض على التطوع، قال الله تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه. رواه البخاري، فإذا كان هذا الثواب يحصل لمن كان صائما تطوعا، وضم بقية الأعمال المذكورة في الحديث إلى الصوم، فَلَأَنْ يحصل لمن كان صائما الصوم المفروض، الذي هو أحب إلى الله تعالى، أولى وأحرى، ومن ثم، فالذي يظهر لنا هو شمول الحديث لصوم الفرض والتطوع.
والله أعلم.