الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فانفراد الولد بالسكن عن والديه، جائز، وليس من العقوق، ولا ينبغي للأمّ أن تشترط على ولدها أن يعطيها كلّ راتبه، فإن طلبت ذلك، فليس له أن يطيعها فيما يؤدي إلى تضييع الحقوق الواجبة عليه، كالنفقة على الزوجة والأولاد، وانظر الفتوى رقم: 133046.
وإذا كانت الأم محتاجة للنفقة، فالواجب على ولدها أن ينفق عليها إذا كان موسرًا، لكن إذا لم يكن له من المال إلا ما يكفيه للنفقة على نفسه، وزوجه، وعياله، فلا تجب عليه نفقة أمه حينئذ، فإن نفقة الزوجة والأولاد المحتاجين، مقدمة على نفقة الوالدين، قال ابن قدامة: ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص، وله امرأة، فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: إذا كان أحدكم فقيرًا، فيبدأ بنفسه، فإن كان له فضل، فعلى عياله، فإن كان له فضل، فعلى قرابته.
وعلى كل حال؛ فإن على الولد أن يبرّ أمّه، ويحسن إليها، فإذا سألته ما لا يجب عليه بذله لها، فينبغي أن يعتذر لها برفق وأدب، ويجتهد في استرضائها حسب طاقته، فإن حق الأم عظيم، وبرها والإحسان إليها، من أفضل الأعمال، جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لِي وَالِدَةٌ، وَأُخْتٌ، وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك، فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ، أَيْ: وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.
والله أعلم.