الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة: تجري من تحتها الأنهار ـ في آية التوبة لم ينفرد بها ابن كثير، بل هي قراءة شائعة في أهل مكة وهي مكتوبة في مصحفهم الذي بعث به إليهم الخليفة الراشد عثمان ـ رضي الله عنه ـ
واعلم أن القراء وضعوا قاعدة لقبول القراءة أعظم مما ذكره أهل المصطلح، فهم يشترطون في صحة الرواية أن تكون متواترة موافقة للمصحف واللغة العربية، قال الجزري في منجد المقرئين ومرشد الطالبين ص: 18ـ كل قراءة وافقت العربية مطلقا، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها، هذه القراءة المتواترة المقطوع بها، ومعنى: العربية مطلقا ـ أي ولو بوجه من الإعراب، نحو قراءة حمزة: وَالْأَرْحَامِ {النساء: 1} بالجر، وقراءة أبي جعفر: لِيَجْزِئ قَوْمًا {الجاثية: 1} ومعنى أحد المصاحف العثمانية واحد من المصاحف التي وجهها عثمان ـ رضي الله عنه ـ إلى الأمصار، وكقراءة ابن كثير في التوبة: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التوبة: 72} بزيادة: من ـ فإنها لا توجد إلا في مصحف مكة، ومعنى: ولو تقديرا ـ ما يحتمله رسم المصحف كقراءة من قرأ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {الفاتحة: 4} بالألف، فإنها كتبت بغير ألف في جميع المصاحف، فاحتملت الكتابة أن تكون: مالك ـ وفعل بها كما فعل باسم الفاعل من قوله: قادر، وصالح، ونحو ذلك مما حذفت منه الألف للاختصار، فهو موافق للرسم تقديرا، ونعني بالتواتر ما وراه جماعة كذا إلى منتهاه يفيد العلم من غير تعيين عدد، هذا هو الصحيح، وقيل بالتعيين، واختلفوا فيه، فقيل: ستة، وقيل: اثنا عشر، وقيل: عشرون، وقيل: أربعون وقيل: سبعون، والذي جمع في زماننا هذه الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول وهم: أبو جعفر، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا، كما سنوضح ذلك، فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعا بها كما سيجيء... اهـ.
ونكتفي بجواب سؤالك الأول، ونرحب بالباقي في رسالة أخرى، التزامًا منا بنظام الموقع، من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل عن الأول منها فحسب.
والله أعلم.