الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا قد بينا في الفتوى رقم: 328897 أنه لا يوجد حديث في كفر من قال في القرآن برأيه.
وأما ما يتبادر للذهن من معنى الآيات الواضحة المعنى، دون الرجوع للتفسير، فلا يعتبر من التفسير بالرأي، ولا يسوغ ترك التلاوة بسببه، فإن الله عز وجل قد أمر بتلاوة وتدبر القرآن، فقال جل من قائل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ. [صّ:29].
وهذا الأمر بالتدبر موجه إلى الجميع حسب مواهبهم الملكية، وقدراتهم المعرفية، فمن عنده معرفة بمعاني القرآن ولغة العرب، فهو مأمور بالتدبر، والنظر في القرآن للحصول على الفائدة الكاملة منه، ومن كان دون ذلك، فهو مأمور حسب طاقته وقدرته المعرفية، فما كان واضح المعنى يسعه علمه، ولا يتكلف فيما لا يستطيع فهمه؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: تفسير القرآن على أربعة وجوه:
تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب. رواه ابن المنذر في تفسيره.
ويدخل في النوع الثاني ما ذكرته السائلة، من استفادة حرمة أكل الميتة من قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ {المائدة:3}، فمثل هذا ظاهر للغاية، ولا يحتاج فهمه للرجوع لكتب التفسير!
هذا، وينبغي التنبيه على أن تفسير القرآن بالرأي المجرد، وإن كان أمرًا محظورًا وخطرًا، إلا أن الأعظم منه والأشد خطرًا هو اعتقاد كفر من ليس كذلك، واتهام النفس، أو الحكم عليها بالكفر بمجرد التوهم، فضلًا عن اتباع وسوسة الشيطان في ذلك.
فعليك أن تعرضي عن هذه الوساوس بالكلية، وتجاهدين نفسك في ذلك، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلًا؛ فإن الوسوسة مرض شديد، وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة، والشك المرضي، والضيق، والحرج الشرعي.
والله أعلم.