الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قضية ردة مسيلمة الكذاب وادعائه للنبوة أمر متواتر قطعي، لا يمكن إنكاره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأمر مسيلمة مشهور في جميع الكتب الذي يذكر فيها مثل ذلك من كتب الحديث والتفسير، والمغازي والفتوح، والفقه والأصول والكلام، وهذا أمر قد خلص إلى العذارى في خدورهن، بل قد أفرد الإخباريون لقتال أهل الردة كتبا سموها كتب: الردة والفتوح، مثل كتاب: الردة لسيف بن عمر والواقدي وغيرهما، يذكرون فيها من تفاصيل أخبار أهل الردة وقتالهم ما يذكرون، كما قد أوردوا مثل ذلك في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوح الشام، فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة ومنه ما نقله الثقات، ومنه أشياء مقاطيع ومراسيل يحتمل أن تكون صدقا وكذبا، ومنه ما يعلم أنه ضعيف وكذب، لكن تواتر ردة مسليمة وقتال الصديق وحربه له كتواتر هرقل وكسرى وقيصر ونحوهم ممن قاتله الصديق وعمر وعثمان، وتواتر كفر من قاتله النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والمشركين مثل: عتبة وأبي بن خلف وحيي بن أخطب، وتواتر نفاق عبد الله بن أبي بن سلول وأمثال ذلك، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته، فقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني، ثم انصرف عنه ـ قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: أريت فيك ما رأيت، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما: العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة. اهـ باختصار يسير من منهاج السنة.
ومجرد الاختلاف في تاريخ ميلاد مسيلمة الكذاب، أو وقت ادعائه للنبوة لا يوجب البتة إنكار وجوده، وهل يقول عاقل إن الاختلاف في وقت ميلاد شخص أو النزاع في بعض أمر سيرته يقتضي التكذيب بوجود ذلك الشخص من أصله؟! ولا ريب أن هذه طريقة باطلة!
وأما تحرير وقت ميلاد مسيلمة الكذاب أو وقت خروجه فهي قضية تاريخية، لا يترتب عليها كبير شيء، ولا ينبني عليها عمل ديني للمسلم، فنعتذر عن الخوض في هذه القضية، والانشغال بها، ويمكنك الرجوع إلى مظانّ أخباره من كتب السير والتراجم، ومن الكتب المعاصرة: كتاب الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق شخصيته وعصره، للدكتور علي الصلابي.
وراجع الفتوى رقم: 56840.
والله أعلم.