الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد نص الفقهاء على أن المضارب عليه التزام شروط رب المال، وما تم الاتفاق عليه في العقد المبرم بينهما، مما لا محذور فيه شرعًا؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالًا مضاربةً، اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرًا، ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ، فإن فعل، فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجازه. رواه البيهقي.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا تعدَّى المضارب، وفعل ما ليس له فعله، أو اشترى شيئًا نُهي عن شرائه، فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي هريرة، وحكيم بن حزام، وأبي قلابة، ونافع، وإياس، والشعبي، والنخعي، والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي... ولنا أنه متصرف في مال غيره، بغير إذنه، فلزمه الضمان، كالغاصب.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية تحت المادة 1420-: يلزم المضارب في المضاربة المقيدة، مراعاة قيد وشرط رب المال مهما كان...
والمادة 1422-: إذا خالف المضارب حال نهي رب المال إياه بقوله: لا تذهب بمال المضاربة إلى المحل الفلاني، أو لا تبع بالنسيئة، فذهب بمال المضاربة إلى ذلك المحل، فتلف المال، أو باع بالنسيئة، فهلك الثمن، يكون المضارب ضامنًا.
ويؤيد ذلك أيضًا ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 122: المضارب أمين، ولا يضمن ما يقع من خسارة، أو تلف إلا بالتعدي، أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية، أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية، والمشتركة. اهـ.
وعليه؛ فما دام المضارب قد تعدّى ما أمر به، واستثمر المال في غير ما حدد له -كما ذكرت-، فهو ضامن للخسارة، وليس عليك تحملها؛ لأن رب المال إنما يتحمل الخسارة إذا حصلت من غير تعدٍّ، أو تفريطٍ من المضارِب.
والله أعلم.