الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كان لا يستطيع الأخذ بالدليل ولا الترجيح بين أقوال أهل العلم، فعليه أن يقلد من يثق بعلمه وورعه، ويجوز له أن يقلد أي عالم شاء، ولا يجب عليه الاستمرار في تقليد من قلده في كل جزئية أو مسألة تشكل عليه، قال القرافي في الذخيرة: قَاعِدَةٌ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ حَجْرٍ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَفْتَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْ قَلَّدَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمَا وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَمَنِ ادَّعَى رَفْعَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
وراجع الفتويين رقم: 56633، ورقم: 185199.
وعلى ذلك، فلا مانع من أخذ أحكام عبادة واحدة من مذاهب مختلفة كما في الأمثلة التي ذكرتَ، جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: فِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ: الْمَنْعُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ ـ المصريين ـ وَالْجَوَازُ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ، وَرُجِّحَتْ.
وذلك ما لم يكن اتباعا للهوى وجريا وراء الرخص للتملص من التكاليف الشرعية وبدون دليل أو مسوغ شرعي.
والتلفيق المذموم إنما هو في المسألة الواحدة، كما جاء في الموسوعة الفقهية: والتلفيق المقصود هنا ـ أي المذموم ـ هو ما كان في المسألة الواحدة بالأخذ بأقوال عدد من الأئمة فيها، أما الأخذ بأقوال الأئمة في مسائل متعددة فليس تلفيقا؛ وإنما هو تنقل بين المذاهب أو تخير منها.
وانظر الفتوى رقم: 185199.
وقد بينا في الفتوى رقم: 134759، أن الأخذ برخص العلماء عند الحاجة مع كون ذلك ليس دأبا للمكلف ولا ديدنا له مما سوغه كثير من العلماء، ولم يعدوه من تتبع الرخص المذموم شرعا.
وأما الأخذ بأسهل الأقوال وأيسرها: فإن كان ذلك لعدم معرفة رجحان أحدها أو لاختلاف العلماء الموثوقين عنده فيها فإن له أن يأخذ بالأسهل، لأن الدين مبني على التيسير، والله ما جعل علينا في الدين من حرج، وليس هذا من تتبع الرخص المذموم، وهو ما رجحه ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ من أقوال العلماء في هذه المسألة، حيث قال في فتاوى نور على الدرب: إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح، فإنك تأخذ بالأيسر، لهذه الأدلة، ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته، والأصل عدم ذلك، وهذا القول أرجح عندي.
هذا؛ وننبهك إلى أنه لا يجب عليك غسل جميع الذكر وغسل الأنثيين ـ إذا كنت تقصدهما بقولك: الإليتين ـ لمجرد خروج المذي، وإنما الواجب هو غسل ما أصابه المذي من الذكر أو الأنثيين أو غيرهما، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، كما تقدم بيانه في الفتويين رقم: 49490، ورقم: 192731.
كما ننبهك إلى الحذر من الوسواس، وعدم تتبعه، فإن ذلك لا يزيده إلا تمكنًا، وانظر الفتوى رقم: 48300.
والله أعلم.