الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التكبر صفة مذمومة ثبت التحذير منها وما يترتب عليها من مخاطر, وأضرار, ومن ذلك قوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ {الأعراف:146}.
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ـ قال قتادة: سأمنعهم فهم كتابي، وقاله سفيان بن عيينة، وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بها، وقيل: سأصرفهم عن نفعها، وذلك مجازاة على تكبرهم: يتكبرون ـ يرون أنهم أفضل الخلق، وهذا ظن باطل، فلهذا قال: بغير الحق ـ فلا يتبعون نبيا ولا يصغون إليه لتكبرهم. انتهى.
والكبر ينقسم إلى عدة أقسام أشار لها ابن حجر الهيتمي في الزواجرعن اقتراف الكبائر متحدثا عن الكبيرة التاسعة عشرة: ومنها: الكبر إما على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبر، كتكبر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى، وادعيا الربوبية، قال تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر: 60} أي صاغرين ... وإما على رسوله بأن يمتنع من الانقياد له تكبرا جهلا وعنادا، كما حكى الله ذلك عن كفار مكة وغيرهم من الأمم، وإما على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيأبى على الانقياد له أو يترفع عليه ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأولين إلا أنه عظيم إثمه أيضا، لأن الكبرياء والعظمة إنما يليقان بالملك القادر القوي المتين دون العبد العاجز الضعيف. انتهى.
وبعض أنواع الكبر قد جعله بعض أهل العلم مثل الكفر, بل إن بعضهم قد جعله شرا من الشرك، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح بعد ذكره لبعض الأحاديث المشتملة على ذم الكبر, والتنفير منه: وحكى ابن بطال عن الطبري أن المراد بالكبر في هذه الأحاديث الكفر بدليل قوله في الأحاديث على الله، ثم قال: ولا ينكر أن يكون من الكبر ما هو استكبار على غير الله تعالى، ولكنه غير خارج عن معنى ما قلناه، لأن معتقد الكبر على ربه يكون لخلق الله أشد استحقارا ـ وقد أخرج مسلم من حديث عياض بن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد... الحديث، والأمر بالتواضع نهي عن الكبر، فإنه ضده، وهو أعم من الكفر وغيره. انتهى.
وقال ابن القيم في مدارج السالكين: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول: التكبر شر من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره، قلت: ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين، كما قال تعالى في سورة الزمر وفي سورة غافر: ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ـ إلى آخر كلامه.
والله أعلم.