الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على الاعتناء بالمصحف وتعظيم شعائر الله، فقد قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}.
واعلمي أنه لا خلاف بين العلماء في وجوب احترام المصحف وصيانته، ومثله في الاحترام كتب العلم، قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه. انتهى.
وقال ابن حجر في فتاواه: فإن القرآن وكل اسم معظم، كاسم الله، أو اسم نبي له يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه. اهـ.
وأما مرور البنات بقرب المصحف، فلا يعد من الامتهان ما دمن لا يجلسن عليه ولا يطأن فوقه، ولو نصحتهن برفع المصحف لمكان عال، فلا حرج في ذلك من باب مراعاة الأفضل، ففي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، وهو شافعي: وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة أو كان ملاقيا لأعلى الخرج مثلاً من غير حائل بين المصحف وبين الخرج وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعاً عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له، فإنه يقع كثيراً. انتهى.
وفي موقع العلامة الشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ سأله سائل فقال: يعمد بعض المصلين إلى تخطي مجموعة المصاحف التي تكون بين الصفوف بأقدامهم، فما رأي فضيلتكم؟ فأجاب ـ رحمه الله: لا يجوز ذلك إلا عند الضرورة، إذا كانت بين الصفوف أو خلف الصفوف، واحتاج إلى الدخول أو الخروج، واضطره الطريق إلى أن يتخطاها، ولم يكن تخطيها استهانة ولا تحقيرا، ولم يطأ عليها بقدمه، وإنما رفع قدميه فوقها، فالعادة أن ذلك يحصل ولا يدل على الامتهان، فإن وجد طريقا لا يكون فيه تخطيها عدل إليه. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: وضعه على محل مرتفع أفضل مثل الكرسي أو الرف في الجدار ونحو ذلك مما يكون مرفوعاً به عن الأرض، وإن وضعه على الأرض للحاجة لا لقصد الامتهان على أرض طاهرة بسبب الحاجة لذلك ككونه يصلي وليس عنده محل مرتفع أو أراد السجود للتلاوة، فلا حرج في ذلك ـ إن شاء الله ـ ولا أعلم بأساً في ذلك، لكنه إذا وضعه على كرسي أو على وسادة ونحو ذلك أو في رف كان ذلك أحوط، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم عندما طلب التوراة لمراجعتها بسبب إنكار اليهود حد الرجم طلب التوراة وطلب كرسياً ووضعت التوراة عليه، وأمر من يراجع التوراة حتى وجدوا الآية الدالة على الرجم وعلى كذب اليهود، فإذا كانت التوراة يشرع وضعها على كرسي لما فيها من كلام الله سبحانه، فالقرآن أولى بأن يوضع على الكرسي، لأنه أفضل من التوراة، والخلاصة أن وضع القرآن على محل مرتفع ككرسي، أو بشت مجموع ملفوف يوضع فوقه، أو رف في جدار أو فرجة هو الأولى والذي ينبغي، وفيه رفع للقرآن وتعظيم له واحترام لكلام الله، ولا نعلم دليلاً يمنع من وضع القرآن فوق الأرض الطاهرة الطيبة عند الحاجة لذلك. اهـ.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومن النصيحة لكتاب الله عز وجل: أن لا تضعه في موضع يمتهن فيه، ويكون وضعه فيه امتهاناً له، كمحل القاذورات، وما أشبه ذلك، ولهذا يجب الحذر مما يصنعه بعض الصبيان إذا انتهوا من الدروس في مدارسهم، ألقوا مقرراتهم والتي من بينها الأجزاء من المصحف في الطرقات أو في الزبالة أو ما أشبه ذلك ـ والعياذ بالله ـ وأما وضع المصحف على الأرض الطاهرة الطيبة: فإن هذا لا بأس به، ولا حرج فيه، لأن هذا ليس فيه امتهان للقرآن، ولا إهانة له، وهو يقع كثيراً من الناس إذا كان يصلي ويقرأ من المصحف وأراد السجود يضعه بين يديه: فهذا لا يعدُّ امتهانا، ولا إهانة للمصحف، فلا بأس به. انتهى.
والله أعلم.