الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المعتبر في هذا هو النية، فإن كنت نويت بالإنفاق وجه الله، وبالإخبار به تشجيع الناس على الخير، فأنت مصيب ـ إن شاء الله ـ ولا ذنب عليك، ولا يعتبر هذا من الرياء والفخر، فقد عرف العلماء الرياء بقولهم: هو أن يَفعل العبد الطاعة، ويترك المعصية، مع ملاحظة غير الله، أو يُخبِر بها، أو يُحبَّ أن يُطَّلع عليها لمقصدٍ دنيوي مِن مال، أو نحوه.
وقال بعضهم: الرِّيَاءُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِظْهَارِ الْعِبَادَاتِ.
وقال بعضهم: هو أن يبتغي العبد الدنيا بعمل الآخرة, أو يقصد بعبادته غير الله.
وأما الفخر: فتعريفه كما جاء في لسان العرب لابن منظور: التمدح بالخصال، والافتخار، وعدُّ القديم. اهـ.
وأما عملك خيرًا وإخبارك به؛ ليقتدى بك فيه، فهو محمود، فقد ذكر أهل العلم أن الدال على الخير، ومن سن سنة حسنة ينال مثل أجر من اتبعه، أو عمل بما دله عليه؛ لما أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.
ولما أخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال، عن جرير بن عبد الله البجلي في حديث طويل قال فيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا.
وفي رواية للإمام أحمد، والحاكم، وابن ماجه وغيرهم مرفوعًا: من سن خيرًا، فاستن به، كان له أجره ومثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
وقال ابن حجر في شرح حديث: ومن يراء يراء الله به ـ وفي الحديث: اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَكِنْ قَدْ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَيُقَدَّرُ ذَلِك بِقدر الْحَاجة، قَالَ ابن عَبْدِ السَّلَامِ: يُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِحْبَابِ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ، أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ، كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ. انتهى.
وقال السعدي في تفسيره: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ـ من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها، وباشروها في حال حياتهم، وَآثَارَهُمْ ـ وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم، وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد، وتعليمه، ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته، وبعد موته، أو عمل خيرًا من صلاة، أو زكاة، أو صدقة، أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدًا، أو محلًّا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر؛ ولهذا؛ من سن سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه، والهداية إلى سبيله بكل وسيلة، وطريق موصل إلى ذلك. أهـ.
والله أعلم.