الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلم أن يرقي غير المسلم، ولاسيما إن كان يرجو من وراء ذلك دعوته للإسلام، ويدل لذلك ما رواه خارجة بن الصلت، عن عمه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم أقبل راجعا من عنده، فمرَّ على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندكم شيء نداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مئة شاة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "هل قلت غير هذا؟" قلت: لا، قال: "خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق" رواه أبو داود. ورواه أحمد بلفظ: "إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية؟" وصححه ابن حبان والحاكم والألباني والأرنؤوط.
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: هؤلاء القوم الذين مر بهم هذا الصحابي، كفار، بدليل قولهم: "صاحبكم هذا" فهي تدل على أنهم ليسوا مسلمين، فهذه العبارة يقولها من ليس بمسلم. اهـ. ونحو هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري المشهور في الصحيحين وغيرهما، في رقيته للديغ بسورة الفاتحة، والظاهر أنه لم يكن مسلما، وقد ذكر واضعو الموسوعة الفقهية الكويتية أنه لا خلاف بين الفقهاء في جواز رقية المسلم للكافر؛ استدلالا بهذا الحديث، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 173377، وقد روي في بعض طرقه، وجه دلالة مشابهة للحديث الماضي. فقال الحافظ ابن حجر في الفتح: زاد البزار في حديث جابر فقالوا لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء! قالوا: نعم. اهـ. وقال ابن الملقن في شرح صحيح البخاري: فإن قلت: كيف شفي الكافر برقية أبي سعيد بالفاتحة، وقد قال تعالى: {ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82]؟ قلت: الرحمة إنما جعلت لهم؛ لأنهم كانوا في مخمصة، فانتفعوا بها. اهـ. وقال ابن الجوزي في (كشف المشكل): استباحوا أخذ الأجرة؛ لكونهم كفارا، وجعلوا الرقية حجة. اهـ.
وقال ابن القيم في (مدارج السالكين): تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه، فأغنته عن الدواء، وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء. هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلا. اهـ. وقال الشيخ ابن باز في تعليقه على صحيح البخاري، في مسألة المرقي هل كان مشركًا؟ قال: محتمل، ليس فيه شيء، وظاهر السياق أنهم غير مسلمين، والأشبه أنهم كفار، فيجوز أن يُرقى الكافر ما لم يكن حربيًا. اهـ.
وقال محمد أنور شاه الكشميري في صحيح البخاري: ثم إذا عوَّذ كافرا، ورأى أن عوذته تشتمل على كلمات لا تليق بشأن الكافر، ينبغي أن ينوي منها البركة فقط. اهـ.
وكذلك لا حرج في أمر الكافر بقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإن هذا من الأمر بالمعروف، وقول الصدق والحق، ويتأكد ذلك بما ذكره السائل من نيته في تثبيت عقيدة التوحيد في نفسه.
والله أعلم.