الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن حيث الأصل لا بد من التفريق بين التأمين التجاري بجميع أنواعه، فهو عقد باطل محرم، وبين التأمين التكافلي أو التعاوني، فهو مشروع، وقد صدرت بذلك قرارات وفتاوى من المجامع والهيئات الشرعية المعتبرة، وانظر الفتوى رقم: 472.
وقد سبق لنا نقل قرار المجمع الفقهي بشأن التأمين بجميع أنواعه، وذلك في الفتوى رقم: 7394.
وتجد فيه إشارة إلى الفرق بين عقود التأمين التجاري، وبين نظام التقاعد أو المعاشات الاجتماعية، ونصه: قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق؛ لأن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسؤولًا عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية، التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة؛ لأن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقًّا التزم به من حكومات مسؤولة عن رعيتها، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة، كوفاء لمعروفه، وتعاونًا معه جزاء تعاونه ببدنه، وفكره، وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة. اهـ.
وهذا النوع من التأمين ـ وهو الاجتماعي ـ محل خلاف ونظر بين المعاصرين من أهل العلم، وقد أشار قرار المجمع الفقهي إلى جوازه بهذه القيود، واعتمد في ذلك ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وكذلك قرر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بعد بحثه لموضوع التأمين في مؤتمره الثاني عام 1385هـ أن: التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية يشترك فيها جميع المستأمنين؛ لتؤدي لأعضائها ما يحتاجون إليه من معونات، وخدمات، أمر مشروع، وهو من التعاون على البر.
المعاشات الحكومي، وما يشبهه من نظام الضمان الجماعي المتبع في بعض الدول، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى، كل هذا من الأعمال الجائزة. اهـ.
وهذا ما ذهب إليه أكثر العلماء المعاصرين.
والذي يظهر لنا أن الصورة المذكورة في السؤال هي إحدى صور التأمين الاجتماعي الذي تفرضه الدولة وترعاه.
وعلى ذلك نقول: أكثر المعاصرين على جواز هذا النوع من التأمين.
والله أعلم.