الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس فيما ذكرت كذب، سواء كان ذلك في الذكر أم الدعاء، ولو لم يتكرر اللفظ منك بعدد ما أحلت إليه؛ لأن ما وقع منك مجرد إحالة على حقيقة، تسأل الله تعالى أن يعطيك بعددها، أو عظمها، وقد ورد في السنة وأقوال العلماء ما يدل على مشروعية الدعاء والذكر على هذا الوجه، فروى مسلم في صحيحه عن جويرية ـ رضي الله عنها -: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
ومن أقوال العلماء قول الشافعي في الرسالة: فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
وقول ابن علان في دليل الفالحين: صلى الله عليه وسلم... صلاة وسلامًا دائمين متلازمين، دائبين بدوام ملك الله تعالى وأمداده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، كلما ذكره ذاكر، وغفل عن ذكره غافل.
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في نيل الأوطار تعليقًا على الحديث المشار إليه وأمثاله: وَفِيه فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الذِّكْرَ يَتَضَاعَفُ وَيَتَعَدَّدُ بَعْدَمَا أَحَالَ الذَّاكِرُ عَلَى عَدَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الذِّكْرُ فِي نَفْسِهِ، فَيَحْصُلُ مَثَلًا عَلَى مُقْتَضَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لِمَنْ قَالَ مَرَّةً وَاحِدَةً سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ التَّسْبِيحِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ كَرَّرَ التَّسْبِيحَ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا بِدُونِ الْإِحَالَةِ عَلَى عَدَدٍ.
والله أعلم.