الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تناول سؤالك الأول عدة مسائل، تحتاج إلى تفصيل وبيان، وسنحاول إيجازها في النقاط التالية:
أولا: كيفية التمييز بين دار الإسلام ودار الكفر، وسبق أن ذكرنا كلام الفقهاء فيها، فراجع الفتوى رقم: 7517.
ثانيا: الوصف بالكفر أو الإسلام لا يعتمد على الذوق أو الرأي الشخصي! بل هذا الحكم لا يكون إلا من الله تعالى، وإذا رجعنا إلى كتاب الله المجيد للتعرف على أصل من أصول هذه القضية، سنجد التصريح الواضح القاطع بأن الكفر برسول واحد لا يعتبر فقط كفرا بجميع الرسل، بل هو كفر بالله تعالى، كما يدل عليه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:150ـ 152}.
وراجع في بيان ذلك الفتوى رقم: 316453، ومنها تعلم أنه على افتراض أن بعض النصارى لا يشركون بالله تعالى، وأنهم يؤمنون بنبوة عيسى لا ببنوته، فهذا لا يرفع عنهم وصف الكفر، ما داموا يكفرون بالقرآن وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم على افتراض أنهم صدقوا بأن القرآن كلام الله، وصدقوا بوجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول من عند الله، ومع ذلك رأوا أنه يسعهم الخروج عن شريعته والوحي المنزل عليه، والعمل بشريعة غيره من الأنبياء فضلا عن غيرهم: فإنهم بذلك لا يدينون بدين الإسلام، ولا يصح وصفهم بالإيمان، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 195365، ورقم: 136005.
ثالثا: الوصف بالكفر لا يعني سوء معاملة صاحبه مطلقا، فالكفار أنواع، ولكل نوع حكمه في الشريعة، فليس الكافر المحارب للدين، المظهر لمعاداة المسلمين، كالكافر المسالم الذي لا يعادي المسلمين، ولا يعين عليهم أعداءهم، فهذا حقه حسن المعاملة التي أجملها القرآن في البر والعدل، كما قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة: 8ـ 9}.
وهذه المعاملة الحسنة، يجتمع معها أمران:
الأول: الإشفاق عليهم من عذاب الله، والسعي في هدايتهم ودعوتهم إلى الخير والحق.
والثاني: التبرؤ مما هم عليه من الكفر، وبغضهم في الله تعالى، لأن المسلم حبه وبغضه تبع لمراد الله عز وجل، فهو يحب من يحبهم الله، ويبغض من يبغضهم الله، وقد قال الله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {آل عمران: 32}.
وقال: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {الروم: 45}.
وقال سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ {البقرة: 98}.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 219466، 130985، 110926، 28155، 128403.
رابعا: قول السائل: لكن طبعا سوف أتركه إذا كفر بالله والعياذ بالله، أو إذا كان لا يحترم ديني وعقيدتي.... نظنه يعني بالكفر هنا: الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى! ولا يخفى أن الكفر لا يقتصر على هذا النوع، وسبق أن ذكرنا ما يبين ذلك.
ثم إننا نعتذر عن جواب بقية الأسئلة، فإن سياسية العمل في موقعنا في حال الأسئلة المتعددة في الفتوى الواحدة: أن يجاب عن الأول فقط، ويطلب من السائل أن يعيد إرسال بقيتها كل على حدة.
والله أعلم.