الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي نفتي به هو أن الذي يلزم المشتري في هذه الحالة هو المبلغ الذي تم التعاقد عليه وترتب في ذمته عند العقد مهما تغيرت قوته الشرائية، إلا إذا انقطعت تلك العملة من السوق، ولم يعد الناس يتعاملون بها، فعندئذ فقط ترد بقيمتها يوم الاستحقاق، وانعدام العملة، وهذا مذهب أكثر الفقهاء، فعلى هذا القول: لا يحق لوالدك طلب الزيادة مقابل انخفاض قيمة العملة، وبعض العلماء يرى مراعاة تغير قيمة العملة، وراجعي أقوال العلماء في هذا في الفتويين رقم: 66686، ورقم: 179075.
وأما تأخير المشتري للثمن المؤجل في حدود الأجل المشترط في العقد: فلا حرج عليه فيه، ومجرد تغير قيمة العملة لا يوجب على المشتري تعجيل الثمن المؤجل، إلا برضاه، ولا يملك البائع إسقاط الأجل دون رضا المشتري، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أما الدائن: فإن إسقاطه الأجل يجب أن يفرق فيه بين أجل لحق العقد وقت صدوره ـ كما لو باع بثمن مؤجل ـ ففي هذه الحالة يكون الأجل لازما للدائن، لأنه التحق بصلب العقد باتفاق الفقهاء. اهـ.
وبهذا يتضح أن مشتري البيت إن بذل الثمن المتفق عليه في العقد، في المدة المنصوص عليها فيه، لزم البائع تسليمه المبيع ـ البيت ـ ولا يجوز له منعه، وإن كان هذا في حق الموكل، فهو كذلك في حق الوكيل، قال ابن عبد البر في الاستذكار: أجمعوا أن من شرط بيع الأعيان تسليم المبيع إلى المبتاع بأثر عقد الصفقة فيه، نقدا كان الثمن أو دينا. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجب تسليم المبيع على من قبض الثمن، وهذا وجوب بعقد المعاوضة وبقبض العوض. اهـ.
وقال السَّمَرْقندي في تحفة الفقهاء: الوكالة نوعان، منها ما لا حقوق له إلا ما أمر به كالوكالة بتقاضي الدين، والوكالة بالملازمة ونحوهما، ومنها ما يكون حقوقه للوكيل وعليه، ومنها ما يكون حقوقه للموكل وعليه، فكل ما لا يحتاج فيه إلى إضافة العقد إلى الموكل ويكتفي فيه بالإضافة إلى نفسه، كالبياعات والأشربة والإجارات والصلح عن إقرار ونحوها فإن الحقوق ترجع إلى الوكيل حتى يجب عليه تسليم المبيع وقبض الثمن. اهـ.
وجاء في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: الحقوق الثابتة على الوكيل كتسليم المبيع، الوكيل يجبر على إيفاء هذه الحقوق. اهـ.
وللفقهاء تفصيل في ولاية الوكيل بالبيع في تسليم المبيع، والجمهور على إثباتها من حيث الجملة، جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في ولاية الوكيل بالبيع في أن يقبض الثمن من المشتري ويسلم المبيع إليه، على أربعة أقوال: أحدها للحنفية: وهو أن للوكيل بالبيع أن يقبض الثمن ويسلم المبيع للمشتري، لأن في الوكالة بالبيع إذنا بالقبض والإقباض دلالة.
والثاني للمالكية: وهو أن للوكيل بالبيع أن يقبض الثمن ويسلم المبيع ما لم يكن هناك عرف بأن الوكيل بالبيع لا يفعل ذلك.
والثالث للشافعية في الأصح عندهم: وهو أنه إذا كان القبض شرطا لصحة العقد كالصرف والسلم، فللوكيل عندئذ ولاية القبض والإقباض، أما إذا لم يكن شرطا كما في البيع المطلق، فيملك الوكيل بالبيع قبض الثمن الحال وتسليم المبيع بعده إن لم يمنعه الموكل من ذلك، لأن ذلك من حقوق العقد ومقتضياته، فكان الإذن في البيع إذنا فيه دلالة، فإن نهاه الموكل عن قبض الثمن أو تسليم المبيع، أو كان الثمن مؤجلا، فليس للوكيل شيء من ذلك.
والرابع للحنابلة: وهو أن للوكيل بالبيع تسليم المبيع، لأن إطلاق الوكالة بالبيع يقتضي التسليم، لكونه من تمامه، بخلاف قبض الثمن، فليس للوكيل أن يقبضه، لأن البائع قد يوكل بالبيع من لا يأتمنه على الثمن. اهـ.
وأخيرا ننبه السائلة على أنه عند حصول النزاع والخصومة والتشاح في الحقوق، فإن الأمر يرد إلى القضاء الشرعي أو التحكيم، وأما الفتوى فلا يعتمد عليها وحدها، لمكان الحاجة إلى الاستفصال والإحاطة بجوانب القضية، والسماع من جميع الأطراف.
والله أعلم.