الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت السائلة تعني أنها أحرمت بالعمرة الأولى، وطافت وسعت، ولكنها لم تقصر من شعرها جهلا منها، فإن التحلل من العمرة الأولى لا يكون إلا بالتقصير بعد الطواف والسعي، ولا يغني عنه قص الأظافر، وإذا لم تقصر، فإنها تعتبر باقية على إحرامها، على الراجح، ويجري عليها ما يجري على المحرم من وجوب اجتناب محظورات الإحرام، ووجوب الفدية إذا وقعت في شيء مما يوجب الفدية وهي عالمة عامدة.
جاء في الموسوعة الفقهية: الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّل مِنَ الإْحْرَامِ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلاَ يَحْصُل التَّحَلُّل فِي الْعُمْرَةِ، وَالتَّحَلُّل الأْكْبَرُ فِي الْحَجِّ إِلاَّ مَعَ الْحَلْق، .. اهــ.
وقال الإمام النووي في المجموع، مبينا ما يترتب على من تركه: والمذهب أنه نسك يثاب عليه، ويتحلل به التحلل الأول، فعلى هذا هو ركن من أركان الحج والعمرة، لا يصح الحج ولا العمرة إلا به، ولا يجبر بدم ولا غيره، ولا يفوت وقته ما دام حيا، لكن أفضل أوقاته ضحوة النهار يوم الأضحى، ولا يختص بمكان، لكن الأفضل أن يفعله الحاج بمنى، والمعتمر بالمروة، فلو فعله في بلد آخر إما وطنه وإما غيره، جاز بلا خلاف، ولا يزال حكم الإحرام جاريا عليه حتى يحلق. انتهى.
وبناء عليه، فالواجب على الأخت السائلة الآن أن تأخذ من شعرها قدر إصبع بنية التحلل من إحرام العمرة، ولا يلزمها العودة إلى مكة. واختلف في لزوم الدم بسبب تأخير التقصير: فهو لازم عند الحنفية والمالكية، خلافاً للشافعية والحنابلة، والمفتى به عندنا أنه يسقط الدم بالجهل والنسيان.
وإحرام العمرة الثانية لا ينعقد؛ لأنها ما زالت ملتبسة بإحرام العمرة الأولى الناقصة.
قال ابن قدامة في المغني: وإن أحرم بحجتين أو عمرتين، انعقد بإحداهما، ولغت الأخرى، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، وعليه قضاء إحداهما؛ لأنه أحرم بها ولم يتمها. انتهى.
وقال صاحب الفواكه الدواني: لا يصح إرداف عمرة على عمرة، ولا حج على حج..... انتهى.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام في باب "ما لا يقبل التداخل": ...أو أدخل حجاً على حج، أو عمرة على عمرة.... انعقد له حج واحد، وعمرة واحدة. انتهى.
والله أعلم.