الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتربية الأولاد على الخير والصلاح مسؤولية الأبوين معًا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}، قال الشيخ السعدي في تفسيره: أولادكم ـ يا معشر الوالدين ـ عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}، فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
وروى البخاري، ومسلم - واللفظ للبخاري - عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته... الرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها، وولده، وهي مسؤولة عنهم... الحديث.
فإذا فرّط الوالدان في شيء من ذلك، حوسبوا عليه.
وإن قاموا بما يجب عليهم تجاهه، وفسد الولد، فقد أبرؤوا ذمتهم أمام الله عز وجل، فلا يضرهم فساده؛ لذلك لم يضر نوحًا -عليه السلام- فساد ولده، وكفره بالله عز وجل، بعد بذله النصح له، ودعوته إلى الإيمان، قال الشيخ عطية محمد سالم في شرحه لبلوغ المرام: صلاح الولد هبة من الله، وليس بحزم، أو عزم الوالد، ولكن هذا سبب، فهذا نوح -عليه السلام- مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولم يهتد ولده: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ} [هود:43]، فما استطاع نوح أن يهدي ولده ليكون معه في السفينة، فلا والد يهدي ولده، ولا ولد يهدي والده، هذا إبراهيم عليه السلام كم قال لأبيه: (يَا أَبَتِ)، (يَا أَبَتِ)، (يَا أَبَتِ)، فقال له: {لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم:46]، وهكذا امرأة نوح وامرأة لوط، زوجها نبي، وما أغنى عن زوجته شيئًا، فالصلاح هبة من الله، والإنسان مكلف بالتأديب، والقيام بالواجب، أما خلق الهدى والتوفيق في قلب الولد، فهذا بيد الله. اهـ.
وإذا صلح الولد كان في صلاحه خير لوالديه في العاجل والآجل، ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وروى البخاري في الأدب المفرد - وحسنه الألباني - عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ترفع للميت بعد موته درجته، فيقول: أي رب، أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك.
وإذا رأى الوالد من ولده صلاحًا، كان ذلك قرة عين له، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}، نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري -وسئل عن هذه الآية -فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله، ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدًا، أو ولد ولد، أو أخًا، أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل. اهـ.
والله أعلم.