الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت رجعت إلى الإسلام حقيقة؛ فإن أحكامه تجري عليك، ومنها: صحة رجوعك لعصمة زوجك بغض النظر عن الباعث على الرجوع له، والحامل لك عليه، فقد روى النسائي عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله، ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم ـ الإسلام ـ فدخل بها، فولدت له. وقد ترجم عليه النسائي بابًا أسماه: التزويج على الإسلام. هذا وقد ذكرت السائلة أنها نطقت بالشهادتين، ونوت التوبة من أي شيء يوقع في الردة، وهذا كاف في الدلالة على أنك رجعت إلى الإسلام.
ثم إن الحكم عند جمهور الفقهاء فيما إذا ارتد أحد الزوجين أنه إذا عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة بقيت العصمة بينهما بالنكاح الأول، وهذا عند الجمهور، وهو الذي نفتي به، ومذهب شيخ الإسلام ابن تيمية قوي ومعتبر، وراجعي الفتوى رقم 25611، والفتوى رقم 143337.
ويبقى النظر في حكم الطلاق الذي يوقعه الزوج أثناء ردة الزوجة؛ هل هو معتبر أو لا؟ وقد نص العلماء على أنه يكون موقوفا، فإن رجعت المرتدة إلى الإسلام في العدة كان الطلاق معتبرا، جاء في أسنى المطالب شرح روضة الطالب ـ وهو من كتب الشافعية: فإذا طلقها في الردة وقف الطلاق، فإن جمعهما الإسلام في العدة تبين نفوذه، وإلا فلا. اهـ.
وننبه إلى خطورة الردة عن الإسلام، فإن لم يتب صاحبها فإنه بذلك يخسر دينه ودنياه، كما جاء نصوص الكتاب والسنة ، فبها يحبط ثواب الأعمال؛ كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217}، ويستحق صاحبها أن يقام عليه حد الردة وهو القتل، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة . فالواجب الحذر، وعدم التساهل في هذا الأمر، واجتناب كل ما يدعو إليه من الغفلة أو الصحبة السيئة وغير ذلك.
والله أعلم.