الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بوجوب جماع الرجل امرأته في كل طهر مرة، هو قول ابن حزم -رحمه الله- حيث قال في المحلى: وفرض على الرجل أن يجامع امرأته -التي هي زوجته- وأدنى ذلك مرة في كل طهر -إن قدر على ذلك- وإلا فهو عاص لله تعالى. برهان ذلك: قول الله عز وجل: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 222]. اهـ.
وعلى فرض صحة استدلال ابن حزم بالآية الكريمة على وجوب الجماع في كل طهر، فلا وجه للإشكال الذي ذكرته في سؤالك، فإنّ الوجوب حينئذ مستفاد من القرآن، فلا يشترط أن ترد السنة بالأمر به، فإنّه صلى الله عليه وسلم قد بلغنا القرآن كما أنزل عليه، فحصل بذلك البلاغ المطلوب.
لكن استدلال ابن حزم بالآية على الحكم المذكور، غير صحيح.
قال ابن كثير -رحمه الله-: وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فِيهِ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى غِشْيَانِهِنَّ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى وُجُوبِ الْجِمَاعِ بَعْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ، لِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بَعْدَ الْحَظْرِ. وَفِيهِ أَقْوَالٌ لِعُلَمَاءَ الْأُصُولِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَالْمُطْلَقِ. وَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى جَوَابِ ابْنِ حَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَجْعَلُونَ تَقَدُّمَ النَّهْيِ عَلَيْهِ قَرِينَةً صَارِفَةً لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالَّذِي يَنْهَضُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَدّ الْحُكْمُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ النَّهْيِ. تفسير ابن كثير.
والراجح عندنا أنّ الواجب على الرجل أن يعفّ زوجته بقدر طاقته وحاجتها دون تحديد. وراجع الفتوى رقم: 132367.
والله أعلم.