الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته هو من قبيل بيع السلم الذي هو بيع موصوف في الذمة، وأصله ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. رواه البخاري ومسلم.
وشروطه إجمالًا هي:
1ـ تسليم رأس المال للمسلم إليه في مجلس العقد.
2ـ أن يكون المسلم فيه مما يمكن ضبطه بالوصف الذي تختلف فيه الأغراض، بحيث تنتفي الجهالة عنه.
3ـ أن يكون معلوم الجنس، والنوع، والقدر، والصفة للمتعاقدين.
4ـ أن يكون المسلم فيه شيئًا موصوفًا في الذمة، غير معين.
5ـ أن يكون مقدورًا على تسليمه بأن يغلب على الظن وجود نوعه عندما يحين وقت استحقاقه.
6ـ تعيين الأجل الذي يجب عنده تسليمه.
7ـ تعيين موضع تسليمه، إذا كان الموضع الذي حصل العقد فيه لا يصح لذلك، أو كان يصلح للتسليم، ولكن لنقل المسلم فيه إليه كلفة.
وعلى هذا؛ فإنه لا حرج عليك في المعاملة المذكورة، ولك توكيل من تشتري منه السلعة في شحنها الى المشتري الأول مباشرة دون شحنها إليك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 292327.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 228826.
وأما حق المشتري في إرجاع السلعة ـ عدم قبولها ـ إذا كانت مخالفة للوصف المقدم من طرف البائع، فلا إشكال فيه؛ لأن حقه لا يثبت في سلعة بعينها، وإنما يثبت في سلعة موصوفة في الذمة، فإما أن ترسل له السلعة بالوصف المتفق عليه، فيثبت البيع، وإلا بقي حقه في المال إذا تعذر ذلك، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه إذا حل أجل السلم المتفق عليه في العقد، وجب على المسلم إليه إيفاء الدين المسلم فيه، فإن جاء به وفق الصفات المشروطة المبينة في العقد، وجب على المسلم قبوله؛ لأنه أتاه بحقه في محله، فلزمه قبوله، كالمبيع المعين... أما إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في محله على غير الصفة المشروطة في العقد، فينظر: فإن أحضره بجنسه، ونوعه، ولكن على صفة دون صفته المشروطة، جاز للمسلم قبوله، لكنه لا يلزمه؛ لأن فيه إسقاطًا لحقه، فلا يجب عليه أخذه... أما المعيار الذي يحتكم إليه في حد الصفة الواجب توفره في المسلم فيه، فقد بينه ابن قدامة بقوله: وليس له ـ أي: للمسلم ـ إلا أقل ما تقع عليه الصفة؛ لأنه إذا أسلم إليه ذلك، فقد سلم إليه ما تناوله العقد، فبرئت ذمته منه. اهـ.
والله أعلم.