الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الطرفة ونحوها من اللغو، واللغو هو كل ما لا ينفع من الأقوال، أو الأفعال، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {المؤمنون:3}.
قال ابن كثير -رحمه الله-: وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ـ أَيْ: عَنِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الشِّرْكَ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمَعَاصِي، كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ، وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا {الْفَرْقَانِ: 72}، قَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُمْ وَاللَّهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا وقفهم عَنْ ذَلِكَ. انتهى.
وقد كان السلف يتوقون مثل هذا الكلام، وإن لم يكن فيه إثم؛ مخافة الوقوع فيما فيه الإثم، وحرصًا على شغل أوقاتهم بما ينفع، واستكثارًا من الخير، وتقللًا مما لا فائدة فيه، وإعراضًا عن اللغو الذي مدح الله المعرض عنه، وقال الإمام النووي -رحمه الله-: اعلم أنه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجرُّ الكلامُ المباح إلى حرام، أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصْمُت ـ متفق عليه، وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم، إلا إذا كان الكلامُ خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم. انتهى.
وقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: إذا أراد الكلام، فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر ـ وقال رجل لسلمان الفارسي -رضي الله عنه-: أوصني، فقال: لا تتكلم! قال: ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم، قال: فإن تكلمت، فتكلم بحق، أو اسكت ـ قال مرةً رجل: ما أشدَّ البرد اليوم! فالتفت إليه المعافى بن عمران، وقال: استدفأت الآن؟! لو سكتَّ؛ لكان خيرًا لك. ذكره الذهبي في السير.
والآثار عنهم ـ رحمهم الله ـ في توقي مثل هذا الكلام المعدود من اللغو؛ لئلا يقعوا في المحظور كثيرة جدًّا.
ومن ثم؛ فالذي ننصح به هو ترك تداول مثل هذه الطرف، والاشتغال بما ينفع.
والله أعلم.