الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحسنًا فعلتم حين قررتم إخراج ما على أمكم ـ رحمها الله ـ من الزكاة، فإن إخراج هذا المال واجب؛ لكونه دينًا على أمكم في تركتها، ودين الله أحق أن يقضى، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما هذه السيارة، فهي مملوكة لأختك، ولا يحرم عليها ركوبها، ولا يجب عليها بيعها، وهي وإن كانت اشتريت بمال تجب الزكاة في عينه، إلا أن الشراء صحيح؛ لأن الزكاة وإن وجبت في عين المال، فإنها متعلقة بالذمة.
ومن العلماء من رأى أن البيع لا يصح في قدر الزكاة.
والقول الأول هو قول الجمهور، وهو الأرفق بكم -والحال ما ذكر-.
وقد بين ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني خلاف العلماء في هذه المسألة، مرجحًا صحة التصرف في المال الذي وجبت فيه الزكاة، فقال ما عبارته: وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، بِالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَات، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي فَسْخُ الْبَيْعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، نَقَضَ الْبَيْعَ فِي قَدْرِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا إنْ قُلْنَا: إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَقَدْرُ الزَّكَاةِ مُرْتَهَنٌ بِهَا، وَبَيْعُ الرَّهْنِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ـ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَفْهُومُهُ صِحَّةُ بَيْعِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا، وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَغَيْرُهُ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَبَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَهُمَا مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَالُ خَالٍ عَنْهَا، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنُ آدَمِيٍّ، أَوْ زَكَاةُ فِطْرٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ، فَهُوَ تَعَلُّقٌ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ، فَلَمْ يَمْنَعْ بَيْعَ جَمِيعِهِ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَقَوْلُهُمْ: بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْفُقَرَاءِ فِي النِّصَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الْفُقَرَاءُ مِنْ إلْزَامِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِرَهْنٍ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الرَّهْنِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي النِّصَابِ ثَمَّ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كُلِّفَ إخْرَاجَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، كُلِّفَ تَحْصِيلَهَا، فَإِنْ عَجَزَ، بَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ النِّصَابِ. انتهى.
وبه يتبين ما قررناه من أن الواجب عليكم هو إخراج ما استقر على أمكم من الزكاة.
وأما السيارة المشتراة بمال وجبت فيه الزكاة: فيجوز ركوبها، والانتفاع بها، وهي مملوكة ملكًا صحيحًا لمن اشتريت، ووهبت له، ولا تتضاعف الزكاة، ولا يكون شيء من راتب أختكم -والحال ما ذكر- محرمًا.
والله أعلم.