الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمحافظتك على تلاوة القرآن طاعة لوالدك، ليس من الرياء، بل نرجو أن يكون لك أجران: أجر التلاوة، وأجر برّ الوالد.
فهنيئًا لك بهذه الأجور، ولا تلتفتي لوساوس الشيطان التي توهمك بأنّ ذلك من الرياء، وراجعي الفتوى رقم: 190469.
وصلاتك مع أمّك في جماعة مستحبة غير واجبة، وأمر والدك بها يزيدها استحبابًا، قال القرطبي: وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح، يصيره في حق الولد مندوبًا إليه، وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في ندبيته.
فلا تجب عليك صلاة الجماعة مع أمّك، ولكن تستحب لك طاعة والدك في ذلك، وانظري الفتوى رقم: 223744.
أمّا تنفير والدك لك من العلوم الدنيوية النافعة، أو الأعمال المباحة المفيدة، بدعوى أنّ كل العلوم سوى القرآن، والحديث، والفقه لا قيمة لها، فهو قول غير صحيح، فالعلوم الدنيوية النافعة مطلوبة، وفي تعلمها وتعليمها أجر لمن خلصت نيته، وصلح قصده، وراجعي الفتوى رقم: 339457.
والواجب عليك نصح إخوتك وأخواتك، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وحثهم على برّ الوالد، والإحسان إليه، وإخلاص العمل لله تعالى.
وقد اختلف أهل العلم في حكم منع الزوج زوجته من زيارة والديها، والراجح عندنا أن الزوج يأذن لزوجته في زيارة أهلها بقدر متعارف، ما لم يخش إفسادهم لها.
وإذا كانت جدتك محتاجة إلى رعاية أمّك في بعض الوقت، ولم يكن هناك غيرها من يقوم بذلك، فالواجب على أمّك أن تذهب لرعايتها، ولو منعها زوجها، وانظري الفتوى رقم: 110919.
وإذا آذاك أبوك بالكلام، ونحوه، فبكيت، فليس ذلك من التأفف المنهي عنه، أمّا ردك عليه، فإن كان بكلام مسيء، فلا يجوز.
واعلمي أنّ برّ الوالد من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله؛ ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد. وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوي -رحمه الله-: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ.
والله أعلم.