الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تصدقت بصدقة ونويت ثوابها لنفسك, فإن الثواب حاصل, ولا يعتبر هذا من الأنانية, ولا حرج فيه, كما أنك إذا نويت الصدقة عن المسلمين, والمسلمات بمبلغ معين, فإن ثواب الصدقة يصلهم، يقول ابن عابدين في رد المحتار: الأفضل لمن يتصدق نفلاً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: فإن من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة. انتهى.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الأفضل هو أن يباشر المسلم العبادة سواء كانت صدقة, أوغيرها, ولا يهدي ثوابها لنفسه, ولا لغيره, بل يكتفي بالدعاء لغيره، ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: سئل: عمن يقرأ القرآن العظيم، أو شيئا منه، هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه، ولموتى المسلمين؟ أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة؟ الجواب: أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ـ وقال صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ـ وقال ابن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد ـ فإذا عرف هذا الأصل، فالأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة، أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة، فرضها ونفلها، من الصلاة، والصيام، والقراءة، والذكر، وغير ذلك، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات، كما أمر الله بذلك لأحيائهم، وأمواتهم، في صلاتهم على الجنازة، وعند زيارة القبور، وغير ذلك، إلى أن قال: ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا، وصاموا، وحجوا، أو قرءوا القرآن، يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا لخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل، والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.