الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدعاء الاستفتاح مستحب لا واجب عند عامة أهل العلم، ولم يقل بوجوبه إلا أحمد في رواية، وهي خلاف المعتمد في المذهب، حتى إن كثيرا من الحنابلة لم يذكرها أصلا.
ومما يدل بوضوح على استحبابه وعدم وجوبه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بتعليمه والأمر به، بل كان يقوله ولا يأمرهم به، حتى سأله أبو هريرة عما يقوله بين التكبير والقراءة، فلو كان واجبا لما سكت عن أمرهم به وأمهل حتى يسألوه عنه، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي: أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيّ.
ولذا قال ابن حزم في المحلى، بعد سياق هذا الحديث: وَإِنَّمَا لم نذكر ذَلِكَ فَرْضًا، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، فَكَانَ الِائْتِسَاءُ بِهِ حَسَنًا. انتهى.
وأما ما ذكرته من أمر المسيء بالاستفتاح، فليس هو ثابتا في رواية الصحيحين، وعلى تقدير ثبوت ذلك، فيحمل على الندب؛ لما بيناه لك، ولعدول عامة أهل العلم عنه، ولذا فإن العلماء الذين يذكرون في كتبهم الخلاف العالي، لا يلتفتون إلى هذا الخلاف عند كلامهم عن مسألة الاستفتاح كما في المغني لابن قدامة والمجموع للنووي، وإنما يذكرون خلاف مالك في أصل مشروعية الاستفتاح، ويجيبون عن حججه بالأدلة المبينة لسنية الاستفتاح.
والحاصل أن دعاء الاستفتاح سنة بلا شك، وأن القول بوجوبه قول ضعيف، غير معتمد في شيء من المذاهب المتبوعة.
والله أعلم.