الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك الأول: فإن أطفال الكفار تبع لآبائهم في أحكام الدنيا، فيحكم لهم بما يحكم لآبائهم به، وأما عند الله تعالى، فإن الصحيح أن من مات منهم قبل التكليف يمتحن في الآخرة، كما رجحه شيخ الإسلام -رحمه الله- ونصره ابن القيم في طريق الهجرتين، وشفاء العليل، فأطال وأطاب، وكذا نصره الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}.
وأما سؤالك الثاني: فإن من كان نصرانيا ثم جن فمات؛ فإنه يموت نصرانيا على عقيدته التي كانت قبل جنونه.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ومن كان يهوديا أو نصرانيا ثم جن، وأسلم بعد جُنُونِهِ، لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ، لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَمَنْ كَانَ قَدْ آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ، وَجُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، أُثِيبَ عَلَى إيمَانِهِ الَّذِي كَانَ فِي حَالِ عَقْلِهِ، وَمَنْ وُلِدَ مَجْنُونًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ. وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ -كَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَد- وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ، يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ، كَمَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ لَا لِأَجْلِ إيمَانٍ قَامَ بِهِ, فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ، وَهَذَا الْإِسْلَامُ لَا يُوجِبُ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَصِيرَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُربونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ. انتهى.
والله أعلم.