الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الفقهاء مختلفون في وجوب صلاة الجماعة، فمنهم من يرى أنها واجبة في المسجد، ومنهم من يرى أنها واجبة في الجملة، ولو في غير المسجد، وجمهور أهل العلم على أنها مستحبة وليست واجبة.
وكذا اختلفوا في صحة الاقتداء بالفاسق، كالمصر على حلق اللحية، مع علمه بالتحريم، جاء في الموسوعة الفقهية: الْفَاسِقُ: مَنْ فَعَل كَبِيرَةً، أَوْ دَاوَمَ عَلَى صَغِيرَةٍ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِ الاِقْتِدَاءِ بِالْفَاسِقِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، ... وَقَال الْحَنَابِلَةُ -وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ-: لاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ... أَوِ اعْتِقَادٍ ... اهـ.
وكذا إبدال الحاء هاءً في قوله تعالى من سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ {الفاتحة:2}، اختلف الفقهاء في كونه مما يغير المعنى، فتبطل الصلاة به، أم لا يغير المعنى، وتصح الصلاة به؟ على قولين، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 237088 قول من يرى صحة الصلاة.
قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وَعَدَّ الْقَاضِي مِنْ اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، الْهَمْدُ لِلَّهِ بِالْهَاءِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْكِفَايَةِ، لَكِنْ عَدَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ، وَابْنُ كَجٍّ، مِنْ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ ... اهـ.
فلو أنك تركت الاقتداء بهؤلاء احتياطًا للعبادة، ومراعاة لقول من يرى عدم صحة الاقتداء بهم، فلا حرج عليك، لا سيما وأن صلاة الجماعة ليست واجبة في قول الجمهور،- كما ذكرنا- واحرص على أدائها جماعة بمن يسكن معك في البيت، أو غيرهم حتى تنال ثواب الجماعة؛ فإن تحصيل ثوابها ليس محصورًا في المسجد، وإذا اقتديت بهم لم نر وجوب الإعادة عليك، ما دام أن عدم صحة الاقتداء بهم ليس أمرًا متفقًا عليه، ولو أعدتها احتياطًا، فهو أفضل.
ولا حرج عليك أن تصلي منفردًا في مصلى العمل، إذا وجدت شخصًا آخر يصلي منفردًا، ولا يلزمك شرعًا الاقتداء به.
وإن اقتديت بشخص، ثم تبين لك أنه يلحن لحنًا تبطل به الصلاة، فلا حرج عليك في قطع نية الاقتداء به، وتكمل صلاتك منفردًا؛ لأن الخوف من بطلان الصلاة عذر يبيح ترك الاقتداء بالإمام، كما قال ابن قدامة في المغني: وَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ، وَإِتْمَامَهَا مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ، جَازَ ... وَالْأَعْذَارُ الَّتِي يَخْرُجُ لِأَجْلِهَا، مِثْلُ الْمَشَقَّةِ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ، أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ خَشْيَةِ غَلَبَةِ النُّعَاسِ، أَوْ شَيْءٍ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، ... إلخ. اهــ مختصرًا.
ولك أن تقتدي بإمام لا تعلم حاله في الصلاة السرية، ولا تطالب شرعًا بالتنقيب والبحث هل يلحن أم لا، والغالب فيمن تصدر للإمامة أن يحمل على صلاحيته لها، وأنه لا يلحن على الأقل لحنًا يترتب عليه بطلان الصلاة، فلا تُمنع الصلاة خلفه لمجرد الشك، أو الجهل بحاله، قال النجدي في حاشيته على الروض: ولو اقتدى في سرية بمن لا يعرف حاله، لم يجب البحث عن كونه قارئًا؛ بناء على الغالب. اهـ.
بل لو ظهر لك بعد الصلاة أنه لحن لحنًا تبطل به الصلاة، لم تلزمك الإعادة، ما دمت لم تعلم بذلك، قال الماوردي الشافعي في الحاوي، في حكم من صلى خلف إمام لحن في الفاتحة، سواء أحال المعنى أم لم يحله: وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، فَإِنْ جَوَّزْنَا صَلَاتَهُ، فَصَلَاتُهُمْ جَائِزَةٌ. وَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاتَهُ، كَانَتْ صَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ، إِنْ عَلِمُوا بِحَالِهِ، وَجَائِزَةٌ، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِحَالِهِ ... اهــ.
والله تعالى أعلم.