الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم والمسلَّم به أن الجمع بين الأختين لا يجوز؛ لقول الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ{النساء:23}. لكن هل يحل نكاح الأخت بمجرد طلاق أختها طلاقا بائنا، أو يجب انتظار انتهاء عدتها إذا كانت عليها عدة؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، كما اختلفوا أيضا في وجوب الاعتداد وعدم وجوبه، بمجرد حصول الخلوة بين الزوجين.
وبما أن السائل لم يذكر كون الطلاق بائنا أو رجعيا، ولم يذكر خلوة ولم ينفها. فنقول: إن كان هذا الرجل قد طلق الأولى قبل الدخول بها -كما هو الظاهر- ولم يخل بها الخلوة الصحيحة، فإنها بذلك قد بانت منه، فليس عليها عدة منه.
قال ابن قدامة في الشرح الكبير: (كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة بها، فلا عدة عليها) أجمع العلماء على ذلك؛ لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم، وقد تيقناها ههنا. اهـ.
فإن تم العقد على الثانية بإذن وليها، وحضور الشهود، فهو زواج صحيح. وأما إن كان قد دخل بالأولى، أو خلا بها خلوة صحيحة، وطلقها طلاقا رجعيا، فزواجه من الثانية باطل عند من يعتبر الخلوة الصحيحة لها حكم الدخول، فيجب عليه أن يفارقها، وإن كان قد دخل بزوجته الثانية، فهذا الدخول يحرم عليه قربان الأولى التي عقدها صحيح ما دامت أختها في العدة.
جاء في الشرح الكبير أيضا: قال أحمد: إذا تزوج امرأة، ثم تزوج أختها ودخل بها، اعتزل زوجته حتى تنقضي عدة الثانية، إنما كان كذلك؛ لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال، لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطوءة. فلذلك لا يجوز له وطء امرأته حتى تنقضي عدة أختها التي أصابها. اهـ.
ولمزيد من الفائدة حول الخلوة وما يترتب عليها، تراجع الفتوى رقم: 43479.
وننبه إلى أنه كان ينبغي المبادرة إلى سؤال أهل العلم قبل عقد الزواج على الثانية، وخاصة إن كانت هذه الحادثة قد وقعت في بلد يتوافر فيه العلماء، فالتساهل في ذلك تفريط، والفروج أمرها عظيم، فلا يجوز التساهل فيها.
والله أعلم.