الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن يمينك هذه يمين لجاج, وهي التي يقصد بها الحالف المنع من شيء, أو الحث على شيء، وصاحبه مخير بين الوفاء بما حلف عليه, وبين أن يكفر كفارة يمين، ففي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: وأما نذر اللجاج والغضب، ويقال له: يمين اللجاج والغضب، ويمين الغَلق، ونذر الغلق بفتح الغين المعجمة واللام، فهو أن يمنع نفسه من شيء، أو يحثها عليه بتعليق التزام قربة، بفعل أو ترك، كقوله: إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا، فلله عليّ كذا، فإن التزم فيه قربة -كصوم-، أو قربًا- كصوم، وصلاة، وصدقة- تخير بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين؛ لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، واليمين من حيث المنع، خلافًا لما صححه الرافعي من تعين الكفارة. انتهى.
وما دمت مخيرًا، فلا تعتبر متبعًا للرخص في اختيارك لأحد الامرين، فإن تتبع الرخص إنما يذم إذا كان ديدنًا وعادة للشخص، بحيث يأخذ بالأسهل في كل مسألة، وأما من أخذ بالأسهل في مسألة، أو مسألتين، أو نحو ذلك؛ لحاجته لذلك، فلا حرج عليه -إن شاء الله-، جاء في شرح الكوكب المنير: "ويحرم عليه" أي: على العامي "تتبع الرخص" وهو أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها، ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب. "ويفسق به" أي: بتتبع الرخص؛ لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين: فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره. قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا. اهـ.
وقال عياض بن نامي السلمي في كتابه: "أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله": وينبغي أنْ يُعلمَ أن تتبعَ الرخص إنما يتحقّقُ في شأن مَن هذا ديدنُه في مسائل الخلاف. وأما من أخذ في مسألة، أو مسألتين بالقول الأخفّ لحاجته إليه، فهذا قد اختُلف في صحّة عمله. انتهى.
وممن رجح جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة السبكي، فقال -رحمه الله-: يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال: الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. انتهى.
والله أعلم.